بعد تحريم الغناء.. السيرة النبوية تُكذب المتشددين
محمود الصادق محطة مصر"الأصل في الأشياء الإباحة"، ومن هذا المنطلق فقد خلق الله عز وجل، العالم للإنسان، فلا يكون شيء منه حرامًا إلا ما كان بنص قرآني صريح، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم".
وطبقًا للآيات القرآنية، فإن الإباحة هي الأصل المُطلق في كل شيء، وأن التحريم هو المُقيد، إلا أن الجماعات المتشددة والمُتطرفة انقلبت على القاعدة الشرعية وجعلت التحريم هو الأصل، والحلال هو الفرع المُقيد، إستنادًا على عقيدة وأفكار شاذة تتنافى مع صحيح القرآن الكريم، بحجة حماية عقيدة المسلم.
اقرأ أيضاً
- هل يجوز للزوج أن يجبر زوجته على الحجاب والصلاة؟ .. «الإفتاء» تجيب
- بين الزنا وازدراء الأديان.. زواج المحلل من الناحية الدينية والقانونية
- ما حكم الشرع في فتاة ترفض فكرة الزواج؟
- ما حكم اشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها؟ .. «الإفتاء» تجيب
- «الإفتاء» تحسم الجدل: المحلل ملعون.. والزواج بشرط التحليل زنا
- هل الخلع يعد طلاقا في الشريعة الإسلامية؟.. الإفتاء تجيب
- علي جمعة مجيبا على سائلة: يجوز لكِ خلع الحجاب وتقبيل زوج شقيقتك
- هل يجوز خلع الحجاب؟.. الإفتاء تجيب
- قائمة المنقولات حرام أم حلال؟ .. «الإفتاء» تجيب
- تحريم ديني وعقاب قانوني.. هل استخدام «الكوميكس» في السخرية ضمن حرية التعبير؟
- «الإفتاء» توضح طريقة الدفن الشرعية ومواصفات القبر
- هل يجوز المسح على الشراب الشفاف؟ «الإفتاء» تجيب
وفي هذا الإطار تصدت دار الإفتاء المصرية، إلى فتاوى شاذة أطلقها العديد من المتشددين لإثارة الجدل، حيث أباحت الإفتاء سماع الأغاني، التي حرمها الكثير من المتطرفين على مدار السنوات الماضية، وهو ما لاقى معارضات كثيرة من بعض المتشددين، فما تعريف الحرام؟، وهل وكيف ذكر الغناء والموسيقى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟.
تعريف الحرام
يعرف الأصوليين، الحرام في اللغة، بأنه الممنوع، وفي الاصطلاح بأنه ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام، أو هو ما يثاب تاركه امتثالاً، ويستحق العقابَ فاعلُه.
حكم سماع الأغاني
اجتمع المتشددون، على تحريم الموسيقى،حيث تجاوزت استعمال الطبول فقط، مستندين إلى قول الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا"، معتبرين أن "لهو الحديث" هنا هو الغناء.
الغناء في عهد النبي
إلا أننا لن نستشهد بما أصدرته دار الإفتاء، بإباحة الغناء، ولكننا سنستعرض كيف ردت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على المتشددين في حكم الغناء والموسيقى، إذ روت السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، فدخل أبو بكر فنهرهما، وقال: "مزمار الشيطان عند رسول الله؟"، فأقبل عليه الرسول، وقال: "دعهما".
وفي رواية أخرى جاءت امرأة لعائشة فقال الرسول لعائشة: "يا عائشة، أتعرفين هذه؟" فقالت: "لا يا نبي الله"، قال "قينة بني فلان، تحبين تغنيك؟" فغّنتها.
كما روى عن عائشة رضي الله عنها: كانت جارية تغني عندي فاستأذن عمر فلما سمعته الجارية هربت فدخل النبي عليه الصلاة والسلام يبتسم، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله كأنه يسأله عن سبب ضحكه فقال: كانت جارية تغني فلما سمعت خطواتك هربت، فقال عمر: لن أرحل حتى أسمع ما سمع رسول الله، فاستدعى الرسول الجارية فأخذت تغني وهو يسمعها.
الغناء في مكة
وكان الغناء حاضرًا في عهد النمبي صلى الله عليه وسلم، في مناسبات عديدة منها الزفاف، فقد روُى عن الرسول أنه سأل السيدة عائشة في زواج بعض الأنصار: "هل أهديتم الفتاة إلى بعلها؟"، قالت: "نعم"، قال: "أفبعثتم معها من يُغنى؟"، قالت: "لا"، قال: "أو ما علمت أن الأنصار قوم يُعجبهم الغزل".
وروي أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى عرس وكانت المرأة تغني وتضرب بالدف وتقول "وفينا نبي يعلم ما في غد"، فقال عليه الصلاة والسلام: "أما هذا فلا تقوليه، وقولي.. أتيناكم أتيناكم.. فحيانا وحياكم".
ضوابط سماع الأغاني
وحددت دار الإفتاء عددًا من الضوابط والشروط للجواز سماع الأغاني، وقال محمد عبدالسميع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: "هناك أغانى تشع في نفس الإنسان حالة من عدم الاتزان أو حالة نفسية سلبية، أو تدعو الإنسان للوقوع في الفاحشة والمحرمات، وهذه من المحرمات، وبجوار ما تحدثه من آثار سلبية في النفس فبسبب هذه الآثار كانت غير جائزة ومكروهة".
وأضاف عبدالسميع: "لكن هناك نوعًا من الغناء مقبول ومحبب إلى النفس ويرتقي بالنفس ويساعدها على التغلب على المشكلات وعلى الاستقرار والسعادة، ومن هنا يأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم "ساعة وساعة"، وهذا الكلام الجميل الذي نسمعه، حينما يقول أحمد شوقى وتغنيه أم كلثوم: "أبا الزهراء قد جاوزت قدري.. بمدحك بيد أن لى انتسابا.. فما عرف البلاغة ذو بيان.. إذا لم يتخذك له كتابا.. مدحت المالكين فزدت شرفا.. فحين مدحتك اجتزت السحاب".
وتابع أمين الفتوى بدار الإفتاء: "هذه كلمات جميلة ومعاني راقية، لا يقال إنها كلمات محرمة ولا يجوز سماعها وربما كان مثلها كل الكلمات التي تعبر على وجود الإنسان، وأم كلثوم تقول أيضا: "كانت الأيام في قلبى دموع بتجري.. وانت تحلالك دموعي وهي عمري"، معقبًا: "هذا تعبير عن حالة الشجن التي تحدث للإنسان حينما يفقد الحبيب، فكل هذه المعاني معاني إنسانية لا يقال إنها محرمة ولا منهى عنها، لكن الذي يٌحرم هو الذي يضيع هيبة الإنسان أو يوقعه في الفواحش أو الموبقات أو يجعله يفكر في المحرمات فكل هذا لا يجوز.