اندلعت بسبب هدف في الدقائق الأخيرة.. ماذا تعرف عن ”حرب كرة القدم”؟
نادية جمالفي السابع وعشرين من يونيو عام 1969، تلعب الهندوراس مبارتها الثالثة والأخيرة ضد السلفادور في التصفيات المؤهلة لمونديال "المكسيك" سنة 90، المباراة على وشك الانتهاء، والفريقان متعادلان بهدفين لكل منهما، ملعب "أزتيكا" على وشك الانفجار، والمنافسة على أشدها، وإذا بـ "بيبو السلفادور" يتقدم في منطقة جزاء الخصم في الدقائق الأخيرة من عمر اللقاء ويضرب بالكرة في قلب المرمى، السلفادور إلى المونديال، والهندوراس والسلفادور إلى مصير غير محمود.
مع نهاية اللقاء كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على طول الحدود بينهما، وفي يوم 3 يوليو من نفس العام، اخترقت طائرة من الهندوراس المجال الجوي للسلفادور، وأطلقت النيران على كتيبة من القوات السلفادورية، احتفظت للسلفادور لنفسها بحق الرد، حيث قامت بهجوم واسع النطاق، ودخلت القوات السلفادورية إلى مسافة 40 كيلو متر داخل أراضي الهندوراس، لم تتورع الأخيرة وأرسلت طائراتها لضرب مدينة "سان سلفادور" و"أكابوتلا" بالقنابل.
إلى الآن يبدو الأمر وكأن هذه الحرب نشبت فعلاً بسبب كرة القدم وتأهل السلفادور للمونديال على حساب جارتها، وهذا صحيح إلى حد كبير، لكنه ليس السبب الأوحد، للحكاية رواسب آخرى أوصلتهما إلى هذا الطريق المظلم.
صافرة البداية
تعود جذور هذه الحرب إلى أزمة الإصلاح الزراعي في الهندوراس، ومشكلة الانفجار السكاني والهجرة غير الشرعية في السلفادور، فالهندوراس برغم كون مساحتها أكبر 5 مرات من مساحة نظيرتها، إلا إن عدد سكان يزيد عن عدد سكان الهندوراس بحوالي الضعف، وبسبب الإقطاعية وسيطرة ملاك الأراضي على أغلب الرقعات الصالحة للزراعة في السلفادور، قام أكثر من نصف مليون مواطن سلفادوري بالهجرة إلى هندوراس، وشكلوا نحو 20% من فلاحي هندوراس، مما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة، فسنت الحكومة الهندوراسية قانونًا جديدًا للإصلاح الزراعي عام 1962، قامت بموجبه بسحب كافة الأراضي الزراعية التي حصل عليها المهاجرون السلفادوريون بشكل غير قانوني وأعادت توزيعها على مواطني الهندوراس الأصليين، كما قامت الحكومة المركزية والبلديات بحظر حق تملك الأراضي على مهاجري السلفادور، الأمر الذي أدى إلى طرد المهاجرين من الأراضي التي أتوا فيها بأولادهم وعاشوا بها لسنوات.
أدى هذا القانون إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حتى تدخل الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" ونجح في إعادتها بشكل مؤقت، حيث لعبت وسائل الإعلام في كلا البلدين على إشعال نار الحقد والكراهية، حتى جمعهم القدر في التصفيات النهائية المؤهلة لمونديال المكسيك لعام 1990، ولعبوا على ثلاث مرات، المرة الأولى فازت الهندوراس على ملعبها، وفي أعقاب المباراة اعتدت الجماهير الهندوراسية على جماهير الخصم، وتطورت الأوضاع حتى وصلت إلى مهاجمة منازل السلفادوريين مما أدى إلى نزوحهم للسلفادور، تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، وفي المباراة الثانية، بعد أسبوع واحد، فازت السلفادور على ملعبها، فما كان من حمهورها إلا أن اقتص لأبناء جلدته مما فعله بهم الهندوراس في المباراة السابقة، في المباراة الأخيرة والفاصلة وبعد تأهل السلفادور للمونديال اشتعلت الحرب، التي عُرفت تاريخياً باسم "حرب كرة القدم".
استمرت الحرب بين البلدين لأربع أيام، حتى توصلت منظمة الدول الأمريكية إلى اتفاق مع الأطراف المتصارعة، ونجحت في احتواء الأوضاع، لم تستمر الحرب طويلاً، إلا أنها خلفت وراءها الكثير من الخراب والفقد، فراح ضحيتها 3 آلاف إنسان، أغلبهم من مدنيّ هندوراس، وفقد الكثيرون مصادر رزقهم وبيوتهم.