في ذكرى مولده
محمود الجوهري.. ضيع في الملاعب عمره وجعل من الحلم حقيقة
نادية جمالليس في عالم كرة القدم فقط، بل في الحياة كلها نادرا ما تجد شخصا في استثنائية وتفاني محمود الجوهري، مدرب المنتخب الوطني الذي قاده إلى انتصاره الأكبر في القرن الماضي، وملهم "الأهلي" و"الزمالك" على السواء، حبيب الجماهير رغم كل التوترات، من أخذ بيدينا لعالم الأمنيات وجعل من الحلم حقيقة.
وهنا يقف "محطة مصر" على أهم محطات "جنرال الملاعب"..
اسمه "محمود نصير يوسف الجوهري"، وُلد في 20 فبراير عام 1938، بدأ نشاطه الكروي لاعبا في النادي "الأهلي" في الفترة من 1955 – 1965، وحقق معه 8 بطولات محلية، انضم لاعبا في صفوف المنتخب الوطني في نفس الفترة، وفاز معه بكأس الأمم الأفريقية عام 1959، وتُوج هداف للبطولة برصيد 3 أهداف، وضعهم جميعا في مباراة واحدة بـ "هاتريك" في مرمى المنتخب الإثيوبي، لم تقتصر حياته على كرة القدم فقط، فالجوهري يعد واحد من أبطال الجيش المصري في حرب أكتوبر عام 73، حيث كان وقتها يشغل ضابطاً برتبة مقدم، وتقاعد منه بعدها فترة برتبة عميد.
لسوء الحظ، حُرمت الكرة المصرية من محمود الجوهري كلاعب مبكراً، حيث قادته الإصابة بقطع في الرباط الصليبي إلى الاعتزال عام 1965، بعد مسيرة قصيرة عمرها 10 سنوات، ليتجه بعدها إلى عالم التدريب وتبدأ رحلته مع الأسطورية والانجازات.
بدأ الجوهري مسيرته التدريبة بتدريب فريق الناشئين بالنادي الأهلي، حتى شغل منصب مساعد مدرب عام 1977، في نفس العام انتقل إلى المملكة العربية السعودية وشغل نفس المنصب بنادي "جدة"، حتى تمت ترقيته إلى منصب مدير فني عام 1981، استمر فيها لموسم واحد فقط، وعاد للأهلي المصري مدربا للفريق الأول في الفترة من 1982 – 1984، حيث قاده للقبه القاري الأول، وتُوج معه ببطولة دوري أبطال أفريقيا عام 1982 على حساب نادي "أشانتي كوتوكو".
انتقل إلى دولة "الإمارات العربية المتحدة" عام 1984، حيث عمل كمدير فني لنادي "الشارقة" لمدة موسم واحد، وعاد للأهلي مجدداً عام 1985، وقاده للفوز ببطولة الكؤؤس الأفريقية في نفس العام.
أزمته مع الأهلي
بدأت التوترات بينه وبين القلعة الحمراء عام 1985 بسبب رغبة الإدارة بقيادة "صالح سليم" في شطب اللاعب "محمد عباس" من سجلات الفريق، الأمر الذي رفضه الجوهري وأصر على اصطحاب اللاعب معه إلى معكسر الفريق بألمانيا، حتى ولو على نفقته الخاصة، وبالفعل وصل الجوهري ولكن اللاعب لم يذهب، فاتصل الجوهري بالرئيس صالح سليم في لندن، وأخبره الأخير بأن القرار نهائي ولا رجعة فيه، وبعد عودة الفريق إلى القاهرة، أحس الجوهري بإن "هاني مصطفى" مدير الكرة هو المتسبب الرئيسي فيما حدث، وقبل ديربي القمة في دور الثمانية من بطولة كأس مصر، تقدم الجنرال بالاستقالة اعتراضاً على ما وصفه بالتدخل في عمله.
اجتمع عضو مجلس الإدارة "حسن حمدي" باللاعبين، وأخبرهم بأمر الاستقالة، وتولي هاني مصطفى مهمة المدير الفني مؤقتاً، على أن يقوم هو بأعمال مدير الكرة، فما كان من اللاعبين إلى أن أنضم منهم 16لاعباً إلى جانب محمود الجوهري، هم "شريف عبد المنعم، محمد عامر، حسام البدري، مدحت رمضان، ماهر همام، خالد جاد الله، زكريا ناصف، مختار مختار، رمضان السيد، محمد حشيش، ضياء السيد، أسامة عرابي، هاني عبد اللطيف، أيمن شوقي، سمير فوزي، حمدي أبو راضي"، فصدر قرار من مجلس الإدارة بإيقاف 15 منهم، مع استبعاد مختار مختار بعد طلبه بالاعتزال.
محطاته مع المنتخب
بعد أزمته مع الأهلي المصري، عاد الجوهري إلى المملكة العربية السعودية مجدداً، ليشغل منصب المدير الفني لنادي "أهلي جدة" لمدة موسمين، لتأتي محطته الأهم مع المنتخب الوطني، حيث تولى تدريبه عام 1988، وبعد أقل من عامين قادهم للحلم الأكبر والوصول لمونديال 1990.
وفي تاريخ لا يُنسى، هو السابع عشر من نوفمبر عام 1990، جعل الجوهري من الحلم حقيقة، وتغلب على نظيره الجزائري بهدف المهاجم المصري حسام حسن، وحسم تذكرة العبور إلى كأس العالم في إيطاليا، ليقدم هناك عرضا استثنائيا ويتعادل مع المنتخب الهولندي، في مرة هي الأولى من نوعها، لتتم إقالة الجوهري من مهمة تدريب الفراعنة بعد هزيمته بنتيجة 6-1 في مباراة ودية مع منتخب اليونان، في الأيام الأخيرة من نفس العام، ولكن سرعان ما عاد إليه بقرار جمهوري، بعد إخفاق الألماني "لفاتسيا" في دورة الألعاب الأفريقية، حيث قاد المنتخب للفوز في بطولة كأس العرب بسوريا عام 1992.
قرر الجوهري الاستقالة من تدريب المنتخب عقب الإخفاق في التأهل لنهائيات التصفيات المؤهلة لكأس العالم عام 1994، ثم فجر المفأجاة الكبرى، حيث تولى مهمة المدير الفني لنادي "الزمالك"، وخلال موسم واحد فقط حقق معهم بطولة دوري أبطال أفريقيا، وأول بطولة سوبر أفريقي في تاريخ الأبيض الملكي.
ومن الزمالك إلى الإمارات مجددا، حيث تولى تدريب فريق "الوحدة" لمدة عام، وحقق معه بطولة كأس الإمارات لعام 1996، ثم انتقل كمدير فني لمنتخب "عمان" لمدة عام واحد أيضا، ليعود للمنتخب الوطني بعد تدهور أوضاعه في التصفيات المؤهلة لمونديال 98، لم يتمكن من التأهل للبطولة العالمية، لكنه حقق معهم فوز غير متوقع ببطولة "الأمم الأفريقية".
وأُطيح بالجنرال سريعا من مهمة تدريب المنتخب بعد هزيمته الساحقة 5-0 أمام المنتخب السعودي في بطولة كأس القارات بالمكسيك عام 1999، لكنه عاد بناء على طلب جماهيري عام 2000، ليقوده في التصفيات المؤهلة لمونديال 2002، ولم يتمكن من التأهل، كما أخفق في بطولة الأمم الأفريقية لنفس العام، فرحل سريعا واتجه بعدها إلى "الأردن"، وجهته الجديدة، فتولى منصب المدير الفني للمنتخب الأردني، وأصبح مخططاً للكرة الأردنية ومشرفاً عليها.
اختتم أسطورة التدريب مسيرته المهنية في الأردن، ومنحه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وسام العطاء المتميز، تقديرا لجهوده مع الكرة الأردنية، حيث وضع لها خطة تطوير كاملة، للمنتخب الوطني وبقية الأندية في مختلف المراحل العمرية، وعمل مستشاراً للأمير "علي بن الحسين" رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم.
سبعة عقود ونصف، قضاها محمود الجوهري "كعب داير" في الملاعب محلياً وعربياً، حصل فيها على أرفع الأوسمة الرياضية كـ"وسام الرياضة من الدرجة الثانية" عام 1983، و"نوط الرياضة من الطبقة الثانية" عام 1986، و"وسام الرياضة من الطبقة الأولى" عامي 1991 و1998، واختاره الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" واحداً من أفضل عشرين مدرب على المستوى العالمي. لتكون قصته أنسب تجلياً لمقولة "انتصاراته مالية حياته"، حتى وافته المانية في الثاني عشر من أغسطس لعام 2012، إثر تعرضه لأزمة صحية في العاصمة الأردنية "عمان".