الوجه الآخر لجيهان السادات
أ.د/ جودة مبروك محمدتعود إلى حلمها القديم بعد أن أصبحت زوجة رجل مهم، وهناك فارق سني يزيد على الخمسة عشر عامًا بينها وبينه، وحاجز مكون من زوجة سابقة وثلاث بنات، وتاريخ من العذاب والكفاح لزوجها، إنها المرأة الحديدية المثقفة الأكاديمية جيهان صفوت رؤوف أحمد المحجري التي يعود نسبها إلى عائلة المحجري بقرينة تزمنت ببني سويف.
أما عن الحلم القديم فهو العلم، فبعد مدة انقطاع عن التعليم الرسمي تنتسب إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة في قسمها العريق: اللغة العربية وآدابها، وتحصل على درجة الليسانس عام 1977م، وهي زوجة رئيس البلاد، وتحكي لنا الأستاذة الدكتورة وفاء كامل في بدايات استلام عملها معيدة أنها طلب العميد وقتئذٍ إعداد لجنة خاصة للطالبة جيهان صفوت إلا أن أستاذنا الدكتور أحمد مرسي، وكان يعمل رئيسًا للجنة المراقبة، قد قابل القرار بالرفض، حتى لا يكون هناك تمييز بينها وبين الطلاب، وتستطرد أ.د/ وفاء كامل بأنها ذهبت إلى اللجنة لتطمئنَّ على أنها تجلس في مكانها بين الطلاب، وأنه لا تمييز.
بدأت جيهان صفوت صفحة أخرى مع الحياة العلمية والعملية، عندما عيِّنت معيدة بالقسم، ومؤكد أنه حدث نوع من التوجُّس بين أعضاء هيئة التدريس، بل والكلية والجامعة، حيث إن زوجة الرئيس السادات معيدة في كلية الآداب، فمن يظن أنها قد تجامل أحدًا ، أو أنها قد تغضب على آخر، وعندما تأتي إلى الكلية بحراسة واحترازات أمنية، هذا أمر طبيعي جدًّا، كل هذا نقله بعض أساتذتي ممن عاصروا هذه الفترة، لكن المؤكد في حكيهم أنها كانت صاحبة خلق وعلم، وأنها في مكانة تليق بوضع سيدة مصر الأولى.
اقرأ أيضاً
- أول من لُقبت بسيدة مصر الأولى| أسرار و محطات في حياة جيهان السادات تُنشر لأول مرة (صور)
- الرئيس التونسي ينعي السيدة جيهان السادات
- 5 معلومات عن محور جيهان السادات
- 5 صور ترصد الجنازة العسكرة للراحلة جيهان السادات بحضور السيسي
- بالصور. السيسي يقرأ الفاتحة على روح جيهان السادات
- بالصور.السيسي وقرينته يقدمان العزاء لأسرة الراحلة جيهان السادات
- قرينة رئيس الجمهورية: جيهان السادات كانت نموذجًا للمرأة المثالية الوطنية
- ”نموذج فريد من العطاء.. رئيسة الجالية المصرية بأيرلندا تنعي جيهان السادات
- وزارة الخارجية تنعي جيهان السادات :جسدت نموذجًا مُتفردًا للمرأة المصرية المُخلصة والزوجة المُعينة لزوجها في أحلك الظروف
- تفاصيل الجنازة العسكرية لجيهان السادات بحضور السيسي وقرينته
- السيسي يقرأ الفاتحة على روح جيهان السادات وزوجها بطل الحرب والسلام
- السيسي وقرينته يقدمان واجب العزاء لأسرة جيهان السادات
تقدمت جيهان صفوت برسالة الماجستير في تخصص الأدب المقارن ، وكان عنوانها : (أثر النقد الإنجليزي في النقاد الرومانسيين في مصر)، وذلك في عام 1980م، بتشجيع من زوجها الرئيس، وبإشراف علمي رصين من تلميذة الدكتور طه حسين، وهي الدكتورة سهير القلماوي، صاحبة مدرسة علمية في الأدب والنقد، وقد ناقشها فيها علمان الأول: الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن أستاذ الأدب المقارن بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد شرفت بأن تتلمذت على يديه في هذا التخصص، والثاني: الدكتور محمد زكي العشماوي الأستاذ بجامعة الإسكندرية، والأستاذان والمشرفة على الرسالة قامات علمية بارزة في ذلك العصر، وحضر المناقشة الرئيس السادات، ويجلس في الصف الأول مع الجمهور الحاضر للمناقشة، وبصحبته الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب، لكنه قبل ذلك عمل رئيسًا لجامعة القاهرة، وبجواره الدكتور صبحي عبد الحكيم أستاذ الجغرافيا وكانت له مهام سياسية أخرى، وبعض أساتذة الكلية منهم أستاذنا المحقق لكبير الدكتور حسين نصار وغيره.
يُغتال الرئيس السادات في حادث المنصة الشهير، لكن يبقى الحلم وصورة الرئيس في قلب السيدة جيهان، فتقدمت للحصول على الدكتوراه عام 1987م، وكانت للسيدة العظيمة جيهان صفوت وقفة مع الجامعة، فوضعها بكونها أرملة الرئيس في ظل جمهور الجامعة قد يقيد حركة الجامعة أو يقيد حركتها هي، ففي صبيحة يوم المناقشة تقدمت باستقالتها، وحكى لي أستاذي رحمة الله عليه الدكتور سيد حنفي وكان وقتها أستاذًا كبيرًا في القسم، أنه دخلت مكتب العميد وخرجت لتعلن أنها استقالت، وتوهم بعض الحضور أنه تم الضغط عليها لتفعل ذلك، غير أنها لم تذكر في أحاديثها أو كتاباتها شيئًا عن ذلك.
حصلت جيهان صفوت على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن في كلية الآداب جامعة القاهرة واختارت وجهة أخرى مع الحياة لتكون أستاذة جامعية في بعض الأكاديميات الأمريكية.
ذلك هو الوجه الآخر لسيدة مصر الأولى جيهان السادات التي رحلت إلى جهة ثالثة، ولكن هذه المرة اختارت ما اختارته في الأربعينيات من القرن الماضي، في إصرارها أمام أسرتها وتحديها كل الصعب وتتزوج من الضابط المفصول من الخدمة محمد أنور السادات، وفي رحيلها جاء فرصة الاختيار لترقد بجواره في قبره بعد غيبة مقدارها أربعون عامًا، فتلتقي به في العالم الآخر، وأراد الله أن يجعل تحقيق الحلم على يد الرئيس الإنسان وجابر الخواطر فيلبي طلبها، ويصنع لها جنازة عسكرية، ويحضر في مقدمة الصفوف، وتكون في رفقته السيدة قرينته، وقادة الجيش.
ما حدث في مشهد الجنازة تكريم لامرأة قدمت الخير للبلاد، وكانت وراء زوجها المؤمن المنتصر، وأكَّد ذلك الموقف من المصريين أنهم لا ينسون التاريخ.
ومن هذا المشهد أزعم أن السادات مات مرة أخرى، ولكنه في ميتته الثانية كان حقيقة، فقد كان حيًّا في قلب جيهان.