آخر كلمات أسد صحراء ليبيا بعد قرار محكمة إيطاليا إعدامه
فاطمة هشام سالم"إننا لا نستسلم أبدًا، ننتصر أو نموت".. جملة خالدة قالها المجاهد عمر المختار قبل إعدامه في أحد أيام عام ١٩٣١، وتحديدًا في السادس عشر من شهر سبتمبر، على يد الاحتلال الإيطالي المغتصب لأراضي ليبيا.
من هو شيخ المجاهدين ولماذا سمي أسد الصحراء ؟
سطر شيخ المجاهدين اسمه بحروف من نور في التاريخ، صاحب الخامسة والسبعين عاماً كبد المحتل الإيطالي خسائر كبيرة رغم فارق الامكانيات العسكرية والمادية، إلا أنه بالعزيمة والكفاح اشعل فتيل الثورة والجهاد الذي استمر رغم إعدامه حتى تحررت ليبيا من الغزاة.
اقرأ أيضاً
- انطلاق ملتقيات المصالحة الوطنية في ليبيا
- ليبيا تحتفل بـ”ثورة الكرامة”.. واستعراض عسكري تاريخي في بنغازي
- إنقاذ 308 مهاجرين غير شرعيين
- الرئاسة في أسبوع | قضايا سد النهضة وفلسطين وليبيا تتصدر نشاط السيسي
- بالفيديو. السيسي وميركل يتوافقان على على خروج المرتزقة والميليشيات المسلحة من ليبيا
- توافق بين السيسي وميركل على أهمية خروج المرتزقة والميليشيات الأجنبية من ليبيا
- قضايا سد النهضة وفلسطين وليبيا والإرهاب تتصدر مباحثات السيسي ووزير خارجية أمريكا
- السيسي وبلينكن يتوافقان على ضرورة خروج المرتزقة والميليشيات الأجنبية المسلحة من ليبيا
- تباحثا الأوضاع في فلسطين وليبيا.. تفاصيل مكالمة الرئيسان السيسي وبايدن
- الرئيسان السيسي وبايدن يشددان على أهمية استقرار ليبيا
- موعد نهائي كأس إيطاليا بين يوفنتوس وأتالانتا.. وتردد القنوات الناقلة
- فقدان 50 شخصا إثر غرق مركب مهاجرين
من هو عمر المختار ؟
مولد عمر المختار ونشأته:
وُلد عمر المختار في البطنان ببرقة في الجبل الأخضر واختلف في سنة ميلاده حيث قيل عام 1862، وفي أقوال أخرى ذكر أنه ولد في اليوم العشرين من شهر أغسطس لعام 1858، ويدعى عمر المختار محمد أبو شريعة عبيد العبيدي، ولكنه اشتهر باسم عمر المختار بن عمر المنفي الهلالي، وذلك بعد أن عاش والده في قبيلة المنفي والتي كانت قبيلة أمه (عائشة بنت محارب) وأخواله.
اهتم والده (المختار بن عمر) بتنشئته تنشئة دينية تقوم على حفظ القرآن الكريم، ولكنه لم يعايشه لوقت طويل، حيث توفي والده وهو في طريقه لمكة لحج بيت الله الحرام هو وزوجته (عائشة بنت محارب)، تاركًا خلفه طفلين يتيمين هما عمر المختار وأخوه محمدًا.
أوصى والده وهو في مرض الموت أن يقوم على تربية أطفاله (الشيخ حسين) شيخ زاوية جنزور، ليوافق الشيخ ويُدخل الطفلين مدرسة القرآن الكريم، ثم قام بإلحاق عمر المختار بمعهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء والمربين.
ظل الطفل اليتيم النابغة عمر المختار يدرس في المعهد الجغبوبي ثمانية أعوام، لينهل من العلوم الشرعية المختلفة كالفقه والحديث والتفسير وغيرها.
شخصية عمر المختار وسماته:
تميز عمر المختار بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ليجذب أنظار معلميه وزملائه إليه لما اتصف به من مكارم الصفات وحسن الشمائل والسمات، وامتلك عمر المختار الكثر من العلوم الدينية والدنيويَّة فأصبح على علم واسع وإلمام شامل بأمور شتى ومن أهمها أنه أصبح خبيرًا بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج، وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وهذا ما سيساعده في جهاده ضد الإيطاليين في وقت لاحق.
جهاد عمر المختار في أفريقيا:
لم يلقب عمر المختار بشيخ الشهداء وشيخ المجاهدين وأسد الصحراء من فراغ فهو من أشهر المقاومين العرب والمسلمين.
خرج أسد الصحراء يزأر باسم الحرية، فقام بتلقين كل من فرنسا وإيطاليا دروسًا في فنون القتال العربي، قبل أن يعلمهم بعض دروس "الإتيكيت" الإسلامي في الجهاد ضد الغزاة.
فبدأ جهاده في قلب إفريقيا مع مسلمي"تشاد" ضد الغزاة الفرنسيين، وحينها ذاع صيت هذا المحارب المغاور في أرجاء إفريقيا.
جهاد أسد الصحراء في ليبيا:
ما لبث هذا الأسد أن عاد إلى ساحة الجهاد، ولكن هذه المرة كانت ساحة المقاومة هي وطنه ليبيا، حيث قام الطليان باحتلال الأراضي الليبية في عام 1911، وبالتحديد في اليوم العاشر من شهر أكتوبر حيث تم إنزال أولى قوات الجيش الإيطالي، ليتصدى شيخ المجاهدين لهذا العدوان قائلًا:
"إنّني أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح".. فانطلق ينصب الكمائن للجنود الإيطاليين، ويشن الغارات تلو الغارات ضد هؤلاء الغزاة المغتصبين.
خرج أسد الصحراء ليقود حركة الجهاد الليبي ضد روما فقام بتنظيم صفوف المجاهدين، كما قام بتأسيس كتائب فدائية تقوم بضرب الغزاة ضربات موجعة ثم الاختفاء بسرعة في قلب الصحراء، فبات يكيل لهم الهزائم تلو الهزائم، وبدأت صحف روما تتداول اسم ذاك الذي تغيرت بسببه أربع حكومات في إيطاليا نتيجة الهزائم المتعاقبة على يده.
وأصبح أسد الصحراء شبحًا مخيفًا يقض مضاجع الإيطاليين، ليتحقق فيهم قوله: "إنّ الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، وأمّا الجريمة فلا بدّ من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء".. فلا نامت أعين الجبناء".
بدأ عمر المختار جهاده ضد العدو المحتل مذ كان عمره 53 عامًا، ليثبت أن الأعمار؛ ما هي إلا أرقام لا أهمية لها أمام ذاك القلب النابض، وتلك القامة الهامة التي تعانق عنان السماء بكبرياء، فهو المؤمن الحق الذي لا يخشى إلا الله، وظل شيخ الشهداء (عمر المختار) يجاهد ويقاوم في سبيل تحرر وطنه عشرين عامًا، لم تفتر عزيمته ولم تخور قواه.
معركة بئر الغبي
معركة بئر الغبي ستظل ذكرى عزة ونصر في التاريخ العربي والإسلامي، حيث وقعت هذه يوم 23 أبريل 1923 الموافق اليوم الخامس من شهر رمضان الفضيل 1342 للهجرة، وكان أبطالها شيخ المجاهدين عمر المختار وخمسين رجلًا آخرين، فقد كان المحتل الإيطالي الغاصب يتعقبون كل تحركات عمر المختار ليتحينوا الفرصة للقضاء عليه وإخماد الثورة والمقاومة الليبية، ولذا وفي طريق عودة أسد الصحراء من مصر إلى برقة انقضت عليهم سبعة مُصفحات إيطاليَّة وحاصرتهم، فأطلق المختار ومن معه الرصاص عليهم لتنتهي المعركة باحتراق كل المصفحات ما عدا واحد، ولم ينج منهم سوى مصفحة واحدة تمكنت من الفرار، لتروي أسطورة مارد الصحراء.
معركة الرحيبة
ومن النصر الساحق للمقاومة الليبية وقائدها عمر المختار في معركة "بئر غبي" إلى فوز آخر في معركة "الرحيبة" الخالدة التي وقعت في اليوم 27 من شهر مارس في عام 1927 والتي انتصر فيها الليبيون على الطليان، وقد كانت هذه الهزيمة بمثابة القشَّة التي قصمت ظهر البعير، فلم تعد الحكومة الإيطاليَّة في روما قادرة على تقبَّل أي هزيمة بعد أن ظهر جيشها بمظهر هزليّ أمام باقي جيوش أوروبا، كذلك كان الحكَّام الإيطاليّون في ليبيا قد طفح بهم الكيل من الهزائم المُتكررة، وكان لا بدّ لهم من إعادة اعتبارهم ورفع معنويَّات الجنود المنهارة، فشرعوا يعدّون الجيوش الجرَّارة، وأقسم بعدها زعيم الفاشية الإيطالي (موسوليني) على القضاء على أسطورة الصحراء (عمر المختار).
وحشية الاحتلال الإيطالي الفاشي
قرر زعيم الفاشية أن يرسل مجرم حرب يدعى (غرتسياني) لإنهاء أسطورة أسد الصحراء ذاك، وقام (غرتسياني) بتنفيد خطة إبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، فكان أول ما قام به هذا السفاح أن قام ببناء أطول جدار سلكي شائك في العالم على الحدود الليبية المصرية، ليقوم بقطع الإمدادات المصرية التي تصل للمجاهدين في ليبيا، ثم قام ببناء أكبر معسكر اعتقال في التاريخ، ليعتقل به أكثر من 80 ألف من الشعب الليبي، وما يزيد من بشاعة هذا الأمر أن هذا المعتقل كان يتسع لـ10 آلاف فقط، وليس لـ80 ألف، ولم يكتفي (غرتسياني) بهذا، بل قام بوضع الماشية والأبل معهم في هذا المعتقل ليموت الليبيون ببطئ، ولم يبقى من هذه المجزرة إلا 15 ألف ليبي.
ولم تتوقف جرائم (غرتسياني) عند هذا الحد، بل قام بقصف المدنيين الليبيين بنصف طن من القنابل في مدينة "الكفرة" الليبية، والتي شهدت اغتصاب الفتيات على أيدي دعاة الحرية والحضارة، أما كبار السن من الشيوخ والنساء فقد كان يتم رميهم من ارتفاع 400 متر ليسقطوا على الصخور وتنفجر أجسادهم أمام عيون أبنائهم ليبثوا في قلوبهم الرعب.
اعتقال عمر المختار
ظل أسد الصحراء عمر المختار مستمرًا في جهاده، ينصب الكمائن للجنود الإيطاليين ويحول أرض ليبيا إلى جحيم مستعر للفاشية الإيطالية، حتى باغته كمين من الإيطاليين في اليوم الحادي عشر من شهر سبتمبر في عام 1931 في مدينة البيضاء في ليبيا، فأصابوا فرسه فسقط وانكسرت يده، وأخذ يزحف على بطنه على رمال الصحراء الملتهبة ولكنهم انتبهوا إليه وأسروه.
وتم نقل شيخ المجاهدين عمر المختار إلى مدينة بنغازي لتتم محاكمته وإعدامه، من قبل محكمة الطليان، وعندما وصل الأسير الشهيد عمر المختار إلى بنغازي، لم يُسمح لأي مراسل جريدة أو مجلَّة بنشر أي أخبار أو مقابلات، ويقول مترجم كتاب "برقة الهادئة" للمؤلف غراتسياني، أنَّ زنزانة عمر المختار كانت تحوي سريرًا من خشب وقماش وعلى أرضيَّتها قطعة من السجَّاد البالي التي كان المختار يجلس عليها ويُسند ظهره على الجدران ويمد رجليه إلى الأمام حتى يُريحهما.
ويصف الشارف الغرياني الذي زار عمر المختار في سجنه نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار في بيتين من الشعر:
"عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرًا
وفيهنَّ نفسٌ لو تُقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجلُّ وأكبرًا"
التحقيق مع عمر المختار
تفاجئ الطليان بما أبداه أسد الصحراء من هدوء وصراحة مُذهلة في الرد على أسئلة المُحققين، بثباتٍ تام ودون مراوغة، إذ قال لهم عمر المختار: "نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطاليَّة، ولم أستسلم قط، ولم تخطر ببالي قط فكرة الهرب عبر الحدود.
منذ عشر سنوات تقريبًا وأنا رئيس المحافظية، اشتركت في معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها، فلا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة.
وما وقع ضد إيطاليا والطليان، منذ عشر سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني، كانت الغارات تُنفَّذ بأمري، وبعضها قمت به أنا بنفسي.
الحرب هى الحرب. أعترف بأنه قُبض عليّ والسلاح بيدي، أمام الزاوية البيضاء، في غوط اللفو، هل تتصورون أن أبقى واقفًا دون إطلاق النار أثناء القتال؟ ولا أشعر بالندم عمَّا قمت به".
عمر المختار وغراتسياني
نزل غراتسياني الذي كان متوجهًا إلى باريس من قطاره ليعود مسرعًا إلى بنغازي، لمقابلة ذاك الأسد الذي ملأ ذكره السماء والأرض، ويقول هذا السفاح واصفًا ذاك اللقاء في كتابه (برقة الهادئة):
"عندما نظرت إليه وجدته وقد علته هالة من النور يراها القاصي منه والداني، فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية، ورغم هذا كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد، وقلت في نفسي (هذا قديس)، فأنهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء".
حكم القاضي على المختار بالإعدام شنقاً حتى الموت، فقهقه شيخ المجاهدين بكل شجاعة قائلاً:
" الحكم حكم الله.. لا حكمكم المزيف"
" ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺴﺘﺴﻠﻢ.. ﻧﻨﺘﺼﺮ ﺃﻭ ﻧﻤﻮﺕ.. ﻭﻫﺬﻩ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ..!
ﺑﻞ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺤﺎﺭﺑﻮﺍ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ ﻭﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻪ..
ﺃﻣَّﺎ ﺃﻧﺎ.. ﻓﺈﻥ ﻋﻤﺮﻱ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺃﻃﻮﻝ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺷﺎﻧﻘﻲ".