”الحاجة فتحية”.. امرأة كافحت الظروف القاسية بابتسامة وعكازين
آية ممدوحتقول الحكمة إن "القناعة كنز لا يفنى"، لكن الحاجة فتحية اكتشفت أن هناك كنوزًا أخرى لا تفنى، منها الابتسامة التي لا تفارق وجهها في كل الأوقات.. صحيح أنها نسيت منذ سنوات طويلة لحظات الراحة، لكنها لم تفارق محطة الرضا.
ومحطة الرضا بالنسبة لها، هي تلك الغرفة البسيطة التي تعيش فيها منذ نحو 70 عاما، هي كل سنوات عمرها، وذلك الجراج للسيارات الذي يمثل محل عملها.
مع ساعات الصباح الأولى تغالب الحاجة "فتحية" أمراض الشيخوخة، وخاصة آلام المفاصل، تستند إلى عكازها، وتبدأ رحلة "الشقا" الذي تستعين عليه بالله، فيعينها من أجل رزق ابنتها الوحيدة المريضة بالفشل الكلوي وحفيدتها، وهما كل ما تبقى من عائلتها.. أدواتها قطعة قماش و"جردل مياه" من أجل غسل السيارات.
منطقة سراي القبة تعرف الحاجة فتحية جيدا، لم تفارقها منذ عرفت طعم الحياة، فمع تباشير الفجر تستيقظ الحاجة فتحية لغسل سيارات الجراج المقيمة به يوميا بمساعدة عكازيها اللذان لا يفارقاها أبدا.. يأتي الصباح ليأخذ أصحاب السيارات سيارتهم نظيفة ويأتي أيضا صاحب الجراج ليأخد ما جمعته الحاجة فتحية من مال، ويترك لها قروشا معدودة تكاد تكفي قوت الأسرة.
ارتبطت الحاجة فتحية بهذا المكان رغم قسوته، وبتلك الغرفة التي لا تعرف فيها فرقا بين الصباح والمساء، فالشمس لا تعرف لها طريقا، والغريب أنها رفضت أن تنتقل إلى مكان آخر عندما عُرض عليها المساعدة قائلة "امشي اروح فين واسيب الجراج لمين؟ الأوضة دي عشرة عمر بقالي فيها 70 سنة... دة أنا لما بغيب يوم الناس كلها بتسأل عليا".
أيام الحاجة فتحية الصعبة، لا تخلو من لحظات سعادة بإنجازاتها البسيطة ودورها في حماية أسرتها فتقول "مبطلعش البنات ولا اشغلهم بره أبدا وعمري ما أعرضهم لحاجة زي كدة، أنا وهبت نفسي لحد ما أموت لبنتي وحفيدتي اللي كبرتها و دخلتها الجامعة ".
قد لاتبدو الحياة كريمة مع الحاجة فتحية وأسرتها، ولكنها على الرغم من ذلك شاكرة لله كل ما أعطاها إياه من نعم ولا تريد مساعدة من أحد فتقول "أنا ربنا مديني ستر وصحة وكفاية إن أنا لسه بامشي على رجلي لحد دلوقتي هعوز إيه أكتر من كده مستورة ونعمة ربنا بزيادة ومغرقاني".
لم تمنع ظروف الحياة الصعبة الحاجة "فتحية" من الحفاظ على الابتسامة التي لا تفارق وجهها وصارت عنوانا لشخصيتها، ولم تفقد يوما الأمل والتفاؤل الذي تحيا به كل يوم و يملأ أرجاء غرفتها البسيطة، الذي ربما استمد من "سراي القبة" بعضًا من سمعته، فتحول إلى "سراي" للبساطة والرضا.