”كتاب الموتى”. .يصحب المتوفى في رحلته من الوفاة حتى البعث
دينا عادلتختلف طقوس دفن المتوفى عند الفراعنة القدماء عن الطقوس الحالية التي نقوم بها، فالميت عندهم كان لا ينزل إلى قبره ملفوفُا بـ"الكفن" فقط كما يحدث الآن، فقد كان موت أحد الملوك أو الأشخاص ذا الشأن الكبير في مصر الفرعونية يتم التحضير له من قبلها بفترة كبيرة، فهم كما تميزوا ببناءٍ المعابد الضخمة المزخرفة برعوا أيضًا في بناء المقابر التي لا تقل فخامة عن المعابد، وكانت مزينة أيضًا بالعديد من النقوش الفرعونية على الجدران، كما كان يوضع داخل المقبرة مقتنيات الميت وكل ما يخصه، وكذلك "كتاب الموتى" الذي سيكون دليل المتوفي في رحلته من الموت إلى البعث.
ففي عصر الدولة الوسطى والدولة الحديثة، بدأت كتابة نصوص "كتاب الموتى" على ورق البردي ووضعه بجوار المومياء داخل التابوت، وكان كل مصري قديم ذو شأن أو مكانة بين الناس حريصًا على تكليف الكهنة بتجهيز "كتاب الموتى" له، ويذكر فيه اسمه واسم أبوه واسم أمه ووظيفته في الدنيا، استعدادًا ليوم وفاته وتجهيزًا لطقوس نقله إلى مقبرته.
يعتبر "كتاب الموتى" كتاب الأسرار في حياة المصريين القدماء، وهو أقدم كتاب دون في عصر بناء الهرم الأكبر، واستخدم من بداية العصر الحديث للدولة المصرية القديمة (1550 عام قبل الميلاد)، و حتى نحو 50 عامًا بعد الميلاد.
وتمت كتابة الكتاب بخط هيراطيقي قديم باستخدام الحبر الأسود مع الأحمر، لكتابة العناوين، وتوضيح الأجزاء المهمة، ويحتوي الكتاب على 200 بردية ويبلغ طوله 17.40 متر.
بردية وزن قلب الميت من كتاب الموتى
محتويات الكتاب:
يحتوي الكتاب على مجموعة من الوثائق الدينية التي كانت تستخدم في مصر القديمة، لتكون دليلاً للميت في رحلته إلى العالم الآخر، بالإضافة إلى دعوات للآلهة وأناشيد وصلوات، ووصف لما تلاقيه الأرواح في العالم الآخر من الحساب وما يلحقها من ثواب وعقاب.
ومن الأجزاء الأساسية في هذا الكتاب "الاعتراف بالنفي"، وهو دعاء يدافع به الميت عن نفسه حيث يقول في بدايته: "السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق. لقد جئتك يا إلهي خاضعًا لأشهد جلالك، جئتك يا إلهي متحليًا بالحق، متخليًا عن الباطل".
و يكمل الدعاء، مؤكدًا أنه لم يظلم أحدًا، ولم تضله الشهوة لزوجة أحد من أهله ولم يمد يده على مال غيره، ولم يكذب ولم يعصي، ولم يسع بالإيقاع بعبد عند سيده، ولم يجعل أحد يجوع، ولم يقتل ولم يغدر، ولم يحرض على قتل، ولم يسرق خبز المعابد ولم يرتكب الفحشاء ولم يدنس شيء مقدس، ولم يأخذ مالاً حرامًا، ولم يبع القمح بثمن غالٍ ولم يغش الميزان، ثم يقول "أنا طاه، 3 مرات، ويرجو الله أن يجعله من الفائزين مادام بريئا من الإثم".
كما يبين لنا الكتاب العقائد المختلفة التي كانت تهم المصريين القدماء، حيث كان هدف الميت هو الوصول إلى الحياة الأبدية في العالم الآخر، ولم يكن ذلك منطقيًا لبعض الثقافات والشعوب في تلك العصور، ويحتوي على 20 وصفة سحرية، لمساعدة المتوفي على المرور من المخاطر في العالم السفلي.
وهناك جزءًا آخر في الكتاب يتحدث عن اعتقادهم في البعث والمثول أمام محكمة مكونة من 42 قاضيًا، ويعترف أمامهم الميت بأنه لم يسرق ولم يغتال أحدًا، ولم يكذب وكل ما لم يكن يفعله من سيئات في الدنيا.
وبالنسبة لفصول الكتاب فهي تشير إلى الآتي: وقاية الميت من الشياطين والأرواح الشريرة والثعابين، وتعريف الميت عند البعث الطريق إلى الآخرة، ومساعدته على عبور بحر النار والعقبات التي تهدده، والسماح له بالتردد بين العالم الآخر والعالم الأرضي، ومساعدته على الحياة في الآخرة، والحصول على الماء والغذاء والهبات التي سيقدمها في العالم الآخر، ومعرفة الأماكن في الآخرة وتذكر أسماء الآلهة والأبواب، مثل: باب الآخرة، وتعاويذ فتحها والمرور منها.
محكمة الموتى من كتاب الموتى
فكرة التوحيد:
قال الدكتور مصطفى محمود، في إحدى حلقات برنامجه "العلم والإيمان"، إن كتاب الموتى الفرعوني يثبت أن الفراعنة كانوا يؤمنون بالتوحيد، حيث كانوا يؤمنون بوجود إله واحد واستشهد على ذلك بإحدى العبارات من "كتاب الموتى" التي تقول: "أنت الأول وليس قبلك شيء، وأنت الآخر وليس بعدك شيء"، ويرد عليهم الإله في الكتاب قائلاً: "خلقت كل شيء وحدي ولم يكن بجواري أحد".
كما أشار "محمود"، إلى أن الكتاب لم يحرف ولم تعاد صياغته، ويجب إعادة صياغة التاريخ من جديد لإثبات أن المصريين القدماء آمنوا بفكرة التوحيد وبوجود إله واحد".
مزادات بيع الكتاب:
في شهر مايو عام 2018، نظمت دار "كريستيز" الإنجليزية مزادًا في دبي ضم مجموعة من ورق البردي المكتوب عليها باللغة "الهيراطيقية" منها مخطوطات مستخرجة من "كتاب الموتى" تحمل توقيع "شامبليون"، عالم المصريات.
كما أنه في 21 أكتوبر عام 2018، عرضت دار المزادات العالمية "مونتي كارلو" الكتاب للبيع في مزاد ضخم، وتم بيعه بالفعل بمبلغ 1.35 مليون يورو.