كواليس غناء أم كلثوم ”مصر تتحدث عن نفسها”

تغنت كوكب الشرق بالعديد من الأغاني و كان أهمها أغنية يقول مطلعها: وقف الخلق ينظرون جميعاً ... كيف ابني قواعد المجد وحدي، وهي قصيدة لشاعر النيل "حافظ إبراهيم.

 

ولكن هذه القصيدة قد ارتبطت بشدة بأهم حدث سياسي وقع في تاريخ مصر خلال القرن العشرين. ألا وهو قيام ثورة يوليو عام 1952. ويبدو أن اختيار أم كلثوم لهذه الكلمات على الخصوص لم يأت اعتباطاً أو تم بشكل عشوائي، بل ربما قادها شعورها الوطني إلى أن هناك شيئاً مهماً وخطيراً فيلوح في الأفق، و خاصة بعد الأحداث الدامية في حرب فلسطين عام 1948وما لحق بمصر والعالم العربي من هزيمة عسكرية.

 

شدت أم كلثوم ازر مصر بكلمات حافظ إبراهيم في هذا الوقت العصيب، حيث اعتبرت مصر تمر بمرحلة تاريخية هامة، و المفاجئة كانت انه علي الرغم من أن كلماتها احتوت علي تحريض صريح على الثورة واستخراج القوة، فقد سمحت سلطات الحكومة الملكية بإذاعتها، ويبدو أنهم لم يدركوا ما وراء معانيها إلا في وقت متأخر، و قد فاز الموسيقار الكبير رياض السنباطي بشرف تلحين هذه القصيدة، وقد حرص علي إضفاء لمسته الإبداعية، لم يقل إبداعه بها عن إبداعاته الموسيقية السابقة.

 

وعندما فُجرت الثورة في 23 يوليو عام 1952، تغنت وسائل الإعلام بها و اتخذ المسئولون عن الإعلام في مجلس قيادة الثورة من كلمات القصيدة سلاحًا للترويج لها ولأحداثها، وكلمات الأغنية كانت خير سلاحً لكسب المزيد من المؤيدين، ومع كل بيان ثوري يذيعه أحد الضباط تواصل الإذاعة بث الأغنية.

 

وتسرد أم كلثوم تفاصيلًا للأغنية وتقول" مرة طلبوا مني أغنية وطنية، وقالوا لي: كلفي ما تشائين من شعراء الأغاني لتنظيم قصيدة في أسرع وقت لتغنيها في أقرب فرصة.. فلما عدت إلى البيت تذكرت أنني أحفظ لشاعر النيل حافظ إبراهيم، قصائد رائعة وعكفت على ديوانه وانتقيت قصيدة من ديوانه ورحت اختار أبياتاً أغنيها من بين أبياتها العديدة، وقبل أن أنام وتحديدًا في الرابعة صباحاً.. كنت أدندن باللحن لبيته الرائع: أنا إن قدر الإله مماتي - لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي.

 

وبالفعل وفي عام 1951غنت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم : قصيدة مصر تتحدث عن نفسها أمام الإذاعة ولكنها لم تسجلها على اسطوانات كما العادة، بل بقي التسجيل الوحيد لهذه القصيدة حبيسًا بين الأشرطة، وملكًا لمحطة الإذاعة المصرية، و لم تذع إلا مرات محددة، إلي أن قامت في عام 1952، و أخذت الإذاعة تبثها على كل موجاتها بين الحين والحين.

 

 

 

غنت ام كلثوم 17 بيتًا فقط من أصل 57 بيت، وقد جاءت قصيدة حافظ إبراهيم تلك تحت عنوان " مصر"، وقد ألقي حافظ هذه القصيدة قبل نشرها في ديوانه، الذي صدر في جزأين، في حفلً قد أُقيم لتكريم " عدلي باشا" بعد عودته من أوروبا.

 

ولم تتغن أم كلثوم بالكلمات كما هي في القصيدة، بل عكفت علي انتقاء آبياتٍ من القصيدة، حيث اختارت أول ثلاثة أبيات، ثم أهملت بعد ذلك 22 بيتاً، ثم اختارت للبيت الرابع بيتًا يقول مطلعه:" إن مجدي في الأوليات عريق"، ثم اختارت البيت 11و 12و 13و 14من القصيدة وفق ترتيب الشاعر، كما اختارت البيت رقم 30 الذي يقول مطلعه:" أتراني وقد طويت حياتي"، وظلت تنتقي من الآبيات ما تشعر به.

 

لسماع الأغنية: مصر تتحدث عن نفسها

 

تقوا كلمات القصيدة:

 

وقف الخلق ينظرون جميعا - كيف أبني قواعد المجد وحدي.

 

-وبناة الأهرام في سالف الدهر - كفوني الكلام عند التحدي.

 

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق- ودراته فرائد عقدي.

 

إن مجدي في الأوليات عريق- من له مثل أولياتي ومجدي.

 

أنا إن قدر الإله مماتي - لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي.

 

ما رماني رام وراح سليماً- من قديم عناية الله جندي.

 

كم بغت دولة عليّ وجارت- ثم زالت وتلك عقبى التحدي.

 

إنني حرة كسرت قيودي- رغم أنف العدا وقطعت قيدي.

 

أتراني وقد طويت حياتي- في مراس لم أبلغ اليوم رشدي.

 

أمن العدل أنهم يردون المساء- صنعوا وأن يكدر وردي.

 

أمن الحق أنهم يطلقون الأ- سد منهم وأن تقيد أسدي.

 

نظر الله لي فارشد أبنائي فشدوا إلى العلا أي شد.

 

إنما الحق قوة من قوى الديان- أمضي من كل أبيض وهندي.

 

قد وعدت العلا بكل أبي- من رجالي فانجزوا اليوم وعدي.

 

وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق- فالعلم وحده ليس يجدي.

 

نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء-فيه وثمرة الرأي تردى.

 

فقفوا فيه وقفة حزم - وارسوا جانبيه بعزمة المستعد.