القوة في الإسلام
بقلم ياسر خفاجي محطة مصرربما يذهب عقل القارئ إلى أن القوة تتمثل في البنية الجسدية، لكن الإسلام لم يكن ذات يوم دين عنف أو تطرف كما يدعي المستشرقون، إنما جاء لينشر العدل والسلام ليرثي قواعد الإنسانية والتراحم بين بني البشر، فدعا إلى ثقافة الحوار وقبول الآخر والتسامح ونشر السلام، فالإنسان القوى من يكبح جماح نفسه وقت الغضب، فالعفو والصفح قوة والتواضع رفعة بالذات، فواهم من يظن أن قوة تحملنا وصبرنا ضعف ولكن ترفع ورحمة بهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقال الحق في كتابه العزيز: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة فهناك العديد من المواقف التي سطرها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليعلم البشرية اللين في التعامل فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قيل يا رسول الله ادع على المشركين فقال: "لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة للعالمين".
اقرأ أيضاً
- وزارة الحج والعمرة بالسعودية تستعرض مشروعاتها الرقمية في معرض مكة المكرمة الرقمي
- محمد عبده: مقاول نهارَا ..وفنان العرب ليلًا ”صور”
- يوم الفتح الأعظم.. نبيُ خرج مُطاردًا وعاد منتصرًا
- مفتى الجمهورية: العالم في أمس الحاجة إلى نشر ثقافة الحوار والتعايش
- دوري المظاليم.. الرحلات يضرب مكة المكرمة بخماسية والشبان يحسم ديربي المراغة
وننظر حينما أشدت سواعد المسلمين وأصبحوا قوة أوصاهم رسول الله محمد صلى الله عليه: "لا تقتلوا صبيًا ولا امرأة ولا شيخًا كبيرًا ولا مريضًا ولا راهبًا ولا تقطعوا مُثمرًا ولا تخربوا عامرًا ولا تذبحوا بعيرًا ولا بقرة إلا لمأكل ولا تٌغرقوا نحلاً ولا تحرقوه"،.. ونحن نرى الآن الاحتلال الإسرائيلي يدمر الأخضر واليابس دون عقل ويقتلع البيوت والأشجار من جذورها ويسفك دماء النساء والأطفال، ليس ذلك إلا جنون وفجور لا يندرج تحت عباءة القوة.
النبي وأعرابي
لقد جمع النبي، بين الحلم والصبر على جفاء أعرابي وغلظته، وبين الإحسان إليه، عندما جاءه فأخذ بمجمع ردائه فجذبه جذبة شديدة، قال أنس رضي الله عنه حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله، وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، صلى الله عليه وسلم، فضحك وأمر له بعطاء، ليعطينا درسا في العفو والإعراض عن الجاهلين.
يوم العفو العام
دخل صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة من جهاتها الأربع في آن واحد في السنة الثامنة من الهجرة، بصحبة 10 آلاف صحابي؛ في مشهد مهيب وقد دب الرعب في قلوب أهل مكة الذين آذوه وأهالوا التراب على رأسه الشريف وهو ساجد وتآمروا عليه بالقتل، لكنه صاحب الأخلاق النبوية قابل كل الإساءات بالعفو والصفح والحلم، قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، فكان قادرا على أن يقتص ممن آذوه ولكنه ترفع بذاته وارتقى ليرثي قواعد الإنسانية.
الإعراض عن الجاهلين
ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف التي تبعد عن مكة ما يقرب من 90 كيلو متراً ماشياً على قدميه بعد وفاة عمه في شوال من السنة العاشرة من البعثة ومعه مولاه زيد بن حارثة ليدعو قبائلها إلى الإسلام وهم لا يستجيبون له، وما كان من موقف سادة ثقيف وأشرافهم معه من رفضهم دعوته.
وظل بها عشرة أيام يدعو أشرافها وأهلها إلى الإسلام حتى أغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ورشقوه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين فدعا ربه "اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربى إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علىَّ غضب فلا أبالى، غير أن عافيتك هي أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى غضبك، أو يحل علىَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك، لبعث الحق إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :"بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا.
فانظر إلى قول الحق مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين".
إذًا علمنا الإسلام أن القوي هو ومن يكبح جماح نفسه وقت الغضب، فالقوة تعني الحكمة في التفكير وتدبر الأمر وعدم الاندفاع خلف الأهواء، لا سيما وأن العفو والصفح من شيم الكبار، فمواقف أشرف الخلق في كظم الغيظ والعفو عمن أساءوا إليه لا تعد ولا تحصى ولا يتسع المقام لحصرها.