وحيد حامد .. فلاح السينما الفصيح
احمد النجار القاهرةفي مجال كتابة السيناريو للسينما العربية، يقف التاريخ أمام تجارب قليلة جدًا تميزت بعلاقة خاصة بينها وبين جمهور السينما بمختلف فئاته وطبقاته، وكان وجود اسم كاتب من أحد أصحاب هذه التجارب علي الأفيش كفيلا لضمان نجاح الفيلم بسبب ثقة الجمهور في مؤلفه، وفي مقدمة هؤلاء الكتاب يبرز اسم الكاتب الراحل وحيد حامد الذي دخل السينما من أوسع أبوابها بعد أن حقق نجاحًا كبيرًا في مجال الكتابة الإذاعية، وأصبحت مسلسلاته الأكثر شعبية في وقت كان التليفزيون يسيطر بصورته علي عقل وعين المشاهد الذي اعتاد علي الاستماع إلى الدراما عبر الأثير فمابالك وهو يشاهدها ويستمع إليها صوتًا وصورةً، فكانت الصورة وحدها كفيلة بأن تخطف جمهور الإذاعة إلى الدراما المصورة.
لكن "الفلاح الفصيح" وهو اللقب الذي لازم المبدع الشرقاوي الذي جاء الي القاهرة وهو يحلم بإصدار رواياته وطبعها ونشرها في الدوريات والمجلات المتخصصة كان له الفضل في استمرار الدراما الإذاعية ومنافستها بل وتفوقها على نظيرتها التليفزيونية.
وحيد حامد مع المخرج خيري بشارة
مشوار خالد وحافل قطعه الراحل وحيد حامد مع ميكرفون الإذاعة، تعاون خلاله مع العديد من المخرجين الكبار والشباب في الإذاعة المصرية، بدءا من الرائد مصطفي أبو حطب الذي وجه له حامد التحية في كلمته خلال ندوة تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي منذ أسابيع قليلة، فقد قدم حامد وأبوحطب العديد من الأعمال التي تحولت فيما بعد إلى أعمال سينمائية خالدة مثل "الغول" والذي قدمته الإذاعة في مسلسل بعنوان "قانون سكسونيا" لعب بطولته نور الشريف، ومسلسل "الفتى الذي عاد" أحد أنجح المسلسلات الإذاعية، فقد كانت الحركة تتوقف تماما في جميع شوارع مصر عند إذاعة حلقاته، وتميز المسلسل بمقدمة موسيقية أبدعها الموسيقار الراحل سليمان جميل واعتمد فيها على الآلات الإيقاعية فقط، وأيضا مسلسل "أنا وأنت وساعات العمر"، الذي تقاسم بطولته الراحلان محمود مرسي ومحسنة توفيق ثم تحول فيما بعد لفيلم تليفزيوني بعنوان "أنا وأنت وساعات السفر"، ومسلسل "الإنسان يعيش مرة واحدة" وتحول هو الأخر الي فيلم حمل نفس الاسم.
معظم ماكتبه الراحل للإذاعة أخذته السينما حتي تحقق لنفسها نفس الرصيد والنجاح الذي حققته ومنها أيضا فيلم "الهلفوت" الذي أعادت السينما تقديمه بعد نجاحه كمسلسل إذاعي.
وحيد حامد مع عادل إمام
الكتابة للميكرفون جعلت من جمل حوارات أفلام وأعمال وحيد حامد صورة مكتوبة كان يغزلها بحرفية شديدة حفظها الجمهور عن ظهر قلب ومنها علي سبيل المثال حوار "فتحي نوفل" الذي جسد شخصيته عادل إمام في فيلم "طيور الظلام" وهو داخل أحد فنادق الخمس نجوم ومعه صديقته ويردد من خلف الشرفة "البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت"، وهذا الفيلم تحديدًا مليئ بالحوارات الخالدة وهو من الأعمال الاستشرافية التي تنبأت بكل الأحداث التي مرت بها مصر خلال السنوات الأخيرة.
خلال فترة سيطرة أفلام المقاولات في ثمانينات القرن الماضي، رفض وحيد حامد الانصياع لقوانين السوق وظل متمسكا بمبادئة الفنية وأصر على تنفيذ إنتاج أعماله بنفسه حتى لو لم يكن هو المنتج الأصلي للعمل حرصا منه على أن تخرج في الصورة التي يحلم بها، فعمل كمنتج منفذ وكمنتج أصلي للعديد من أعماله .
عشق وحيد حامد الكتابة للسينما وفي نفس الوقت لم يمنعه هذا الحب من الكتابة للتليفزيون من وقت لآخر فكتب "أحلام الفتي الطائر" لعادل إمام، وهو العمل الذي حقق نجاحا كبيرا، وكتب أيضا مسلسل "البشاير" لمحمود عبد العزيز و"سفر الأحلام" و"العائلة" لمحمود مرسي.
وحيد حامد مع شريف عرفة - مهرجان القاهرة السينمائي
وفي كلمته الأخيرة التي ألقاها بمناسبة تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي، وجه الراحل التحية والشكر لأجيال فنية متعددة قديمة وحديثة ساهمت في مشوارة الإبداعي الخالد بداية من جيل أمينة رزق ومحمود مرسي ومرورا بنبيبلة عبيد ويسرا وحتي جيل مني زكي ومنة شلبي.
وتكشف هذه التحية سر عظمة وحيد حامد وإبداعه المتجدد الدائم الذي عاصر كل زمن واستلهم منه أعماله التي كان البطل فيها هو المواطن المصري بكل صورة حتي وإن اختلف زمنه.