اتهم بالسرقة والاقتباس.. هل باع ”عبد الوهاب” الوهم لعشاق الطرب؟
يارا وليدما بين كلمات وألحان شهيرة صنعت أمجاد العديد من النجوم، دائما ما يثار الحديث عن السرقات الفنية واقتباس بعض الألحان من الموسيقى العالمية، وبعود قليل إلى الوراء نجد أن الأمر ليس وليد اليوم، حتى أن موسيقار الأجيال الراحل محمد عبد الوهاب، لم يسلم من مثل هذه الاتهامات .
المطرب والموسيقي البارز في تاريخ الفن العربي، لاحقته اتهامات البعض بسرقة ألحان الموسيقار سيد درويش، والاقتباس من الموسيقى العالمية ، بل ووصل الأمر إلى اتهامه بسرقة النوتات الموسيقية لبعض من زملائه الملحنين، ومن بينهم الملحن رءوف ذهني.
الباحث الموسيقي السوري صميم الشريف، ذكر في كتابه "الأغنية العربية" أن عبد الوهاب، أدخل لأول مرة الإيقاعات الغربية الراقصة مثل الرومبا والتانجو والألحان الفولكلورية الروسية، بجانب الاقتباس من ألحان سيد درويش، ومن أعلام الموسيقى الكلاسيكية مثل بيتهوفن، وبورودين، وشوبرت، وتينوروسي وريتاكيتي في فرنسا، وهاري جيمس، وجيمي وتومي دورس في أمريكا، وكارمن ميرندا في البرازيل، ومانتوفاني في إيطاليا، وباربانوس في إسبانيا.
وأضاف، أن محاولات عبد الوهاب في الاقتباس، بدأت قبل المرحلة السينمائية، وبالتحديد عندما غنى مونولوجه الشهير "أهون عليك" الذي اقتبس ألحانه الأساسية من أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالي فيردي.
وسرد الباحث السوري مفصلا، أن عبد الوهاب، اتجه بألحانه إلى موسيقى الغرب، فقد قيل إن "النيل نجاشي" من نشيد بحارة الفولجا، و"أيها الراقدون" بداية السيمفونية الثامنة الناقصة لشوبرت، و"أحب عيشة الحرية" مأخوذة من السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، وأغنية "يادنيا ياغرامي" لحن فولكلوري روسي، و"سجى الليل" مأخوذة من مارش سلاف موسيقى تشايكوفسكي، و"أحبه مهما أشوف منه" من تانجو اسبانيول، و"ياللي نويت تشغلني" من أوبرا ريجوليتو لفردي، و"أهواك وأتمنى لو أنساك" لحن شعبي ألماني، واقتبس المقدمة الموسيقية الطويلة لأغنية "أنت عمري" من لحنين شهيرين من كونشرتو البيانو والأوركسترا الأول للموسيقي السوفيتي أميروف، ومن الموسيقي الأسباني أرثورو بافان، وأخذ عبد الوهاب عن أحمد صدقي لحن أغنية "ياحلو ناديلي" الذي أداه كارم محمود وغنى على نفس اللحن أغنية "والله ما أنا سالي".
عبد الوهاب اتهم بالاقتباس في أغنية "يا مسافر وحدك" من أغنية للمطربة اليونانية صوفيا ڤمبو
ورأى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، أن الحياة بشكل عام تأثرت بالأسلوب الغربي وأنه لا مانع من الاقتباس لتزيين الموسيقى، فيما اعتبرت الدكتورة رتيبة الحفني، أول رئيس لدار الأوبرا، في كتابها "محمد عبد الوهاب: حياته وفنه"، أن الانتقادات التي طالت موسيقار الأجيال، كانت من الممكن أن تقضي عليه لو لم يملك فنًّا يواجه به الناس، ولكن أحد أعمال عبد الوهاب، التي يتضح فيها النقل أغنية "أحب عيشة الحرية"، وقد نقلت من السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، كما أنه اقتبس لحن قصيدة "جفنه علَّم الغزل"، من لحن El Manisero للموسيقار الكوبي أزبيازو.
وفي عام1955 كتب الشاعر بيرم التونسي، مقالا بمجلة "الجيل"، ذكر فيه إن وراء بعض ألحان الأستاذ عبد الوهاب، جندي خفي وأستاذ ملحنين يدعى رءوف ذهني.
وفي مقال نشره بمجلة "روز اليوسف" عام 1991 بعد وفاة عبد الوهاب، كتب الناقد طارق الشناوي أن الموسيقار محمد الموجي حكى له أن عبد الوهاب سرق منه لحن "أحبك وانت فاكرني وأحبك وانت ناسيني"، وأن الموجي غضب من هذا التصرف، فقال له عبد الوهاب الأب عندما يعجب بربطة عنق أحد أبنائه لأنها تليق على بدلته، فما المانع في أن يستعيرها".
عبدالوهاب اتهم بالاقتباس في لحن أغنية "ياقلبي ياخالي" لعبد الحليم حافظ من أغنية للمطرب الأمريكي راي تشارلز
بينما دافع المايسترو سليم سحاب عن عبد الوهاب، وقال إن منظمة "يونسكو" العالمية حصرت ما أخذه من أعمال عالمية في 13 لحنًا من مئات الألحان التي قدمها الرجل، لكنها ليست سرقة بل اقتباسًا سبقه إليه عظماء كثيرون، مثل تشايكوفسكي وباخ وموزارت وبيتهوفن، والأخير اقتبس سيمفونيته الخامسة من رقصة "تارنتيلا" الإيطالية، ثم عاد عبد الوهاب ليقتبسها في لحن "أحب عيشة الحرية".
ورغم إزعاج الاتهامات، كان عبد الوهاب محل تقدير كثيرين، ومنحته جمعية الملحنين والمؤلفين في باريس لقب "فنان عالمي" عام 1983، وأعطته قاعة "ألبرت" الملكية في لندن عصا القيادة الفضية عام 1988، كما كان أول مطرب عربي يحصل على الاسطوانة البلاتينية في 1978 من اتحاد شركات الإنتاج الموسيقي العالمية (EMI)، وحاز لقب "الموسيقار العربي الأول" عام 1975، بحسب ما ذكرت رتيبة الحفني.