الذهب المصري يستعيد بريقه بعد قرار السيسي إنشاء مدينة جديدة لـ”المعدن النفيس”
محطة مصرتمر صناعة الذهب في مصر بعملية تحول غير مسبوقة بدعم من التعديلات التشريعية الواسعة التي تم إقرارها مؤخرا علي قانون الثروة المعدنية، وذلك بالتزامن مع الاهتمام الرئاسي بإنشاء مدينة جديدة لصناعة وتجارة الذهب لتعظيم العوائد من عمليات استخراج الذهب وعدم الاكتفاء باستخراج الذهب من المناجم.
وسجلت صادرات الذهب والحلي في مصر زيادة قدرها 76% خلال عام 2020، بينما لم يكن لمصر أي تواجد على خريطة إنتاج الذهب قبل عشر سنوات، ووصل إجمالي قيمة صادرات مصر من الذهب والحلي والأحجار الكريمة لنحو 2.4 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، مقابل قابل 1.392 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، فضلا عن نجاح تلك الصناعة في فتح أسواق جديدة في خمس دول على الأقل في نفس الفترة، شملت كرواتيا، التشيك، النمسا، مدغشقر، كوريا الجنوبية، وفقا لتقديرات المجلس التصديري لمواد البناء.
مدينة الذهب
وتخطط مصر لإنشاء واحدة من كبريات مدن صناعة وتجارة الذهب في مصر والمنطقة، فقبل أيام وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإنشاء مدينة لصناعة وتجارة الذهب تعكس تاريخ مصر الحضاري العريق في هذه الصناعة الحرفية الدقيقة، كما وجه بتوفير الموارد المالية لإنشاء المدينة وفق أحدث التقنيات في هذا المجال، وعلى نحو متكامل من حيث توفير مستلزمات الصناعة والإنتاج، والمعارض الراقية، وتدريب العمالة لصقل قدراتهم، ومراعاة النواحي اللوجيستية من حيث اختيار موقع المدينة للاستفادة من شبكة الطرق والمحاور الجديدة لسهولة النفاذ منها وإليها واستقبال الزائرين.
ووفقا للناطق باسم رئاسة الجمهورية، فإن نطاق المدينة، لن يقل عن 150 فدانًا، وجار دراسة الموقع الجغرافي الأمثل للمدينة، وتعظيم الاستفادة من شبكة الطرق والمحاور في منطقة شرق القاهرة للوصول إليها، قائلًا إن الرئيس شدد أن على توفير مستلزمات الصناعة والإنتاج وخدمات فندقية لاستقبال الزائرين.
مخاوف ورش الصاغة
وعلى الرغم من الترحيب الواسع بقرار إنشاء مدينة للذهب إلا أن بعض المراقبون أبدوا تخوفا من أن يؤدي تدشين تلك المدينة لتهميش أنشطة ورش الصاغة التقليدية. وحاول إيهاب واصف نائب رئيس شعبة المصوغات والمشغولات الذهبية باتحاد الغرف التجارية التقليل من تلك المخاوف بتأكيده على أن مدينة الذهب لن تصبح بديل لورش الصاغة القديمة، مشيرا إلى أن الصاغة تمثل جزءًا من تاريخ الذهب في مصر كما ترتبط بتاريخ القاهرة الفاطمية، ومنطقة خان الخليلي، وشارع المعز، وقد يمهد الاهتمام الرئاسي بتلك الصناعة إلى تطوير تلك المناطق التراثية بما يليق بمكانتها التاريخية.
وتمثل مبيعات الذهب المرتبطة بالسياحة حوالى 5% من إجمالي المبيعات، ويرى واصف أن المقترح الرئاسي سيحقق نقلة كبرى في صناعة وتجارة الذهب في مصر مشيرا إلى أن مصر تمتلك كل المقومات الضرورية لإنشاء المدينة سواء من حيث توافر الخامات، ومصانع المشغولات التي تمتلك أفضل التكنولوجيات المستخدمة في الإنتاج فضلا عن التصميمات التي تجمع بين الأفكار العصرية والذوق الشرقي، والأيدي العاملة المدربة، واقترح واصف أن يتم تنفيذ المدينة بنظام المناطق الحرة، تصبح واحدة من أهم مراكز تداول الذهب في الشرق الأوسط.
إصلاحات تشريعية غير مسبوقة
ولعب الذهب دورا بطوليا خلال الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا، حيث كانت عمليات تصدير الذهب أحد أهم مصادر العملة الصعبة، وأنعش خزانة الدولة بشكل ملحوظ، ويوجد في مصر سبع مصانع للمشغولات الذهبية في منطقة العاشر من رمضان تمثل حصتهم في السوق ما بين 40 إلى 50%، فضلا عن آلاف الورش الصغيرة والتي يتركز أغلبها في حارة اليهود بالقاهرة القديمة، وتقوم تلك المصانع والورش بتغذية السوق بمنتجات عالية الجودة وقادرة على المنافسة عالميا من حيث الجودة ودقة التصنيع، والتصميم.
وتجني مصر ثمار إصلاحات واسعة أجريت مؤخرا في مجال التعدين، بعد أن أقرت الحكومة المصرية تعديلات على قانون الثروة المعدنية مطلع هذا العام، فتحت آفاقًا أكثر رحابة للاستثمار في مجال الثروة المعدنية، وذلك وفقا للمهندس حمدي عبد العزيز المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول والثروة المعدنية، الذي أكد أن التعديلات الأخيرة في قانون الثروة المعدنية واللائحة التنفيذية للقانون أخذت في حسبانها آخر المستجدات في صناعة التعدين على مستوى العالم، وتم إزالة كافة المعوقات التي واجهت الشركات في الماضي، كما تم إدخال تعديلات على النظم المالية، وأساليب الطرح، كما تم فصل نشاط البحث عن الذهب عن نشاط الاستغلال.
وأضاف: "شهدت مصر تحولات كبيرة في صناعة الذهب خلال الآونة الأخيرة، بفضل التوسع في منح حقوق التنقيب عن مناجم جديدة للذهب، وطرح العديد من المزايدات العالمية أمام كبرى الشركات الأجنبية والمحلية للمنافسة على التنقيب في مناطق واعدة".
وتعتبر عمليات استخراج الذهب من الأنشطة عالية المخاطر وتبحث الشركات الدولية عن اليات تشريعية تضمن لهم استقرارا طوال فترة التنقيب عن الذهب وهو الامر الذي انتبهت له مصر من خلال تحركها في عدة مسارات لإنعاش مجال الاستثمار في الذهب، وجاء على رأسها إجراء تعديلات تشريعية بقانون الثروة التعدينية تشجع المستثمرين على ضخ استثمارات ضخمة في مجال الاستكشاف، وإزالة المعوقات التي تهدد العائد على هذه الاستثمارات.
فرص استثمار واعدة في الذهب
وتستعد مصر لحصاد مكاسبها عقب إنفاذ تعديلات قانون الثروة المعدنية، الذي وفر شروطا أفضل لشركات التعدين، وخلال العام الماضي طرحت الحكومة المصرية مزايدة للتنقيب عن الذهب، بإجمالي 320 قطاعا على نحو 56 ألف كيلومتر في المنطقة الواقعة بين الصحراء الشرقية والبحر الأحمر وفق شروط جديدة حظيت بقبول واسع من قبل الشركات العاملة بالقطاع. ومن المقرر أن تطرح الحكومة المصرية خلال الأشهر القليلة المقبلة مناطق جديدة لاستكشاف الذهب، وذلك بالتزامن مع حسم أول مزايدة للتنقيب عن الذهب منذ تعديل القانون وإصدار لائحته التنفيذية في يناير 2020.
وتقول وزارة البترول والثروة المعدنية أن لديها برنامجا طموحا لتطوير قطاع التعدين بشكل شامل بهدف وضع البلاد على خريطة التعدين العالمية، وتستهدف تلك الخطة مضاعفة انتاج مصر من الذهب وجذب المزيد من الاستثمارات لا سيما عقب النجاح المدوي للكشف الجديد الذي تحقق في الصحراء الشرقية باحتياطي يصل إلى مليون أوقية وبنسبة استخلاص وصلت إلى 95% كحد أدنى.
وبالتوازي مع خطط انشاء مدينة الذهب بتوجيهات من رئيس الجمهورية، تسعى الحكومة حاليا لتطوير مدرسة صناعة الحلى والمجوهرات التابعة لقطاع التعليم الفني والتكنولوجي، والعمل على استعادة نحو 40% من العمالة الفنية التي تسربت من هذا القطاع خلال السنوات العشر الأخيرة.