خطيب الجامع الأزهر: بناء الأسرة عبادة والزواج ليس لإرضاء الغريزة أو الوجاهة الاجتماعية
محطة مصرقال الدكتور محمود الهواري، الباحث الشرعي بهيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الإسلام عني بالأسرة عناية خاصة، ووضع لها من الأحكام ما يضمن بقاءها ويحفظ كيانها ويصون استمرارها، ووضع من الحواجز والحدود ما يمنع انهيارها وتدميرها، مشددا على أن بناء الأسر عبادة وليس عادة.
وأشار الدكتور الهواري- خلال خطبة وصلاة الجمعة من رحاب الجامع الأزهر- إلى عناية العلماء بقضية بناء الأسرة حتى امتلأت بها كتب الفقه والأحكام، وكتب التربية والأخلاق، بل حتى أفرد لها العلماء مؤلفات خاصة، ولكن الواقع يشير إلى وجود مشكلات أسرية، وواجبات منسية، ومسئوليات مهملة، مبينا أن الحل لهذا الواقع المر أن نستوعب نظرة الإسلام لهذا التكوين المجتمعي، وأن نفهم التصور الصحيح للزواج وللأسرة حتى نضع حلا لبعض مشكلات البيوت، ولنقضي على هذه التعاسة التي سكنت مع بعض الناس بيوتهم وأوت معهم إلى مضاجعهم.
وأضاف أن المجتمعات عامة تبنى من تكوينات صغيرة، أساسها الأسرة، فهي اللبنة الأولى للمجتمع، وإذا تعرضت هذه اللبنة لاختلال أو ضياع تأثر بذلك المجتمع كله، ولذا كانت الأسر في مجتمعاتنا الآمنة المطمئنة موضع استهداف، بتغييب الآباء والأمهات عن واجباتهم بدعاوى متعددة.
اقرأ أيضاً
- تحت عنوان ”ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”..خطبة الجمعة المقبلة
- انتشار أمني مكثف بكافة المحاور والميادين ودور العبادة لتأمين احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية
- وزير الأوقاف : التعلم قبل التعبد لنصحح عبادتنا وأمر ديننا ودنيانا
- الإفتاء توضح حكم ضرب الزوجة وإهانتها
- الإفتاء توضح حكم زواج البنت نفسها دون ولي
- الأزهر للفتوى: إنهاء الحياة الزوجية بين رجل وامرأة ليس طلاقا لأولادهما
- «الحب ولع في الدرة».. نصائح الخبراء للقضاء على روتين الحياة الزوجية
- فى ذكرى ميلادها.. نبوية موسى «رائدة تعليم الفتيات» المتمردة على الزواج
- المجاملة والهدوء أبرزهم.. قواعد لانتقاد الزوج بصورة جيدة
- الإفتاء توضح حكم الطلاق المشروط قبل الزواج
- الإفتاء توضح حكم المغالاة في المهر وأمور الزواج
- في ذكرى ميلادها.. قصة طلب «فايزة أحمد» الزواج من «محمد سلطان» وهي تبكي
وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن أول ما ينبغي فهمه أن بناء الأسر عبادة وليس عادة، وأن الزواج ليس لإرضاء الغريزة فحسب، وأنه ليس وجاهة اجتماعية فحسب، وأنه ليس مطلوبا جسديا فحسب، مشيرا إلى أن أول أسباب المشكلات أن البيوت لا تؤسس على نية العبادة، فالرجل والمرأة يجمعهما بيت لمعان مجتمعية أو لحاجة غريزية، والأصل أن البيوت تبنى بأوامر ربانية.
وتابع: إن الزوجية سُنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي سنة عامة مطَّردة لا يشذُّ عنها عالَم الإنسان، أو عالم الحيوان، أو عالم النبات، وإن بناء الأسرة المسلمة آية من آيات الله، فالزواج عند المؤمنين عبادةٌ حقيقيةٌ يتقرَّبون بها إلى الله؛ فهو وسيلةٌ لإعفاف النفس، والبعد عن الحرام، وطريقةٌ لبناء الأسرة الصالحة التي تُسْهم في بناء مجتمع صالح، وبعض الناس لا يفهمون طبيعة الحياة بين الرجل والمرأة، ولا طبيعة العلاقة بين الأزواج، ويحصرون غايات الزواج فيما يكون بين الزوجين من إشباع الغريزة، وهذا ظلم لهذه العلاقة التي سماها الله- عز وجل- ميثاقا غليظا.
وبينّ خطيب الجامع الأزهر أن نظرة الإسلام إلى الغريزة الجنسية كنظرته إلى رغبة المعدة في الطعام، إنها رغبة لا تنكر، ولكن إشباعها يحتاج إلى شيء من البصر، فيجب أن يكون المطعوم حلالا لا حراما، وطيبا لا خبيثا، وإذا كان من حق الإنسان أن يسعي في طلب الطعام الذي يرضي معدته، فمن حق الله عليه مثلا ألا يأكل المحرم من ميتة ودم ولحم خنزير إلى آخر المحرمات، ومن حق الله أيضا ألا يرضي الإنسان معدته بالغش والزور، وكذلك الناحية الجنسية.
وشدد على أن الأسرة مسئوليات كثيرة وواجبات متنوعة، تندرج كلها تحت اسم الرعاية التي تتضمن بذل كل خير، ودفع كل شر عن هذا الكيان، وهذه المسئوليات الأسرية والواجبات الزوجية لا يصح التنازل عنها بسهولة، فالزواج شركة لا يقبل من أحد العاملين فيها أن يتقدم باستقالته، وإلا انهار البنيان، مشيرا إلى أن الواقع يشهد أن أحد أطراف الزواج قد يتقدم باستقالته لا على ورق أو طلب مدموغ، لكن يستقيل من إدارة الحياة عمليا، ومن هؤلاء هذا الزوج أو الوالد الذي اتخذ بيته فندقا للراحة، دون انشغال بما فيه البيت، أو ما عليه الأولاد، أو هذا الزوج الحاضر بجسده وماله الغائب بقلبه وتوجيهه ورعايته.
وأشار إلى أن دور الرجل في الأسرة لا ينتهي عند حد توفير المال، رغم أن الإسلام عظم جهد المنفق على الأسرة، وجعل للإنفاق على الأسرة ثوابا عظيما، حتى تجاوز به ثواب غيره من الأعمال الطيبة، في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: "قالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ".
وتابع خطيب الجامع الأزهر أن من بين هؤلاء المستقيلين من الواجبات الزوجية، تلك الزوجة التي تتخلى عن كونها ربة بيت أو ربة منزل، بل إن بعض النساء يخجلن أن يقال لإحداهن إنها ربة منزل، مع ما فيها من العظمة، مشيرا إلى أن رسول الإسلام أعلن عن مهام المرأة في إشارة موجزة، ورتب على هذه المهام دخول الجنة، أخرج أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ".
وأكد ضرورة فهم واستيعاب فن وفلسفة إدارة البيوت، فالحياة لن تكون كاملة، والنسيم لا يهب عليلا على الدوام، وطبائع البشر تأبى هذا، وقلما عاش إنسان وحده، أو مع غيره، على حالة ثابتة من الرضا وانعدام العتاب، ومن العقل توطين النفس على حدوث بعض المشكلات، فلتمر دون أن نرتب على وقوعها نتائج كبيرة، ولذا وجب على شركاء الأسرة أن يكون بينهما من التغاضي ما يحفظ العلاقة الجميلة، وتدوم معه المودة، فالمثالية متعذرة لا في الرجل ولا في المرأة، قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".