”حرب الحبوب” الدولية.. مصر بين شقي الرحى

تحولت الرؤية الدولية للحروب من الأسلحة إلى الأمن الغذائي، وذلك منذ أن دخلت روسيا أسواق الحبوب الدولية كمصدر كبير ومستقر لها، الأمر الذي أدى بالضرورة لبدء صراعات بين الدول المصدرة للحبوب في أسواق الدول المستوردة الرئيسية للقمح والتي يأتي على رأسها مصر.

ومع اندلاع تلك الحروب بدأت القيادة السياسية في وضع استراتيجية جديدة، للاستفادة من التنافس على السوق المصري والتنوع في استيراد محصول القمح، للحصول على المنتج الأفضل والأعلى جودة والأقل سعرًا، حتى استطاعت في 2017 الاستغناء نهائيًا عن استيراد القمح الأمريكي واستبدالة بالقمح الروسي الذي استطاع أن يوفر القمح لمصر بجودة أعلى وبسعر أقل، ولكن خلال العام الجاري اختلت توازنات القمح الروسي بعدد من الإجراءات الروسية التي أضعفت وجودة كمنافس في سوق الحبوب الدولية، الأمر الذي دفع "محطة مصر" للبحث عن إجابات لعدة أسئلة أهمها؛ لماذا تحولت الحرب الدولية للأمن الغذائي؟.. من المستفيد من تلك الحروب؟.. من المنتصر في حرب القمح العالمية؟

حرب "الأمن الغذائي"

لأن القمح، هو غذاء شعوب العالم لذلك فقد تربع على عرش اهتمام الحكومات على مستوى العالم ما بين التوسع فى زراعته أو تأمين إستيراد الشحنات التى تكفي استهلاك شعوب الدول منها، فقد شهد الربع الأول من 2018 تغيرات بأسعار القمح على مستوى العالم بين الارتفاع والانخفاض إلى أن استقر بنهاية شهر مارس الماضي للانخفاض.

وأرجع المحللون والاقتصاديون سبب عدم استقرار الأسعار إلى التوقعات السيئة لمحصول القمح الأمريكي وقمح الاتحاد الأوروبي، نتيجة لظروف الطقس التي أضرت بالمحاصيل، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

أما ارتفاع أسعار القمح الروسي فجاءت بسبب قوة الروبل بالإضافة للطلب المرتفع من مصر والتي تعد من أكبر مستوردى القمح، إضافة إلى ارتفاع الصادرات الروسية من القمح، مما أدى لحدوث تشبع فى المبيعات وانخفاض الطلب مقارنة بالعرض وهو ما ألقى بظلاله على انخفاض الأسعار، الأمر الذي يشير إلى انطلاق حرب روسية- أمريكية على الأمن الغذائي لشعوب العالم استطاعت روسيا، تحقيق انتصار مؤقت فيها.

خطة المستفيدين

في الوقت الذي قررت فيه الحكومة الروسية فرض ضريبة على صادرات القمح قدرت بنحو 25 يورو - 30.4 دولار- للطن فى الفترة بين 15 فبراير و30 يونيو الماضي؛ كان مستوردي القمح الروسي وعلى رأسهم مصر في اتخاذ إجراءات تنوع مصادر القمح، حتى لا يكون السوق رهينة احتكارية لواحد من المصدرين.

وبالفعل فقد علقت وزارة التموين المصرية على تلك القرارات، مؤكدةً أن القرار الروسي شأن داخلى، ولن يؤثر على انتظام وسير عملية إنتاج الخبز للمواطنين لعدة أسباب، مشيرةً إلى استقرار وتنوع مصادر استيراد القمح، حيث يتم التعاقد على الأقماح من عدة دول مختلفة بجانب روسيا، مثل: فرنسا، ورومانيا، وأوكرانيا، وأمريكا، وكازاخستان، ما يؤمن الكميات التى تحتاجها مصر سنويًا، والمقدرة بـ9 ملايين طن قمح.

وأكد أن الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التموين، تعتمد 15 دولة مختلفة لاستيراد القمح منها، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك احتياطى استراتيجى من محصول القمح يكفي احتياجات المواطنين حتى 6 أشهر مقبلة.

انتصارات.. بفضل الطبيعة

تفوق القمح الروسى في المناقصات العالمية خلال موسم 2020-2021 بفضل وفرة محصوله الذى زاد لأعلى مستوى تقريبًا هذا الموسم، نجحت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بتجاوز الولايات المتحدة مرتين والتربع على عرش مصدري القمح في العالم.

أما عن مخاطر "الانتصار الروسي" على قطاع الزراعة في الولايات المتحدة، فإن تزايد المنافسة من قبل روسيا يشكل تهديدًا جديدًا للقطاع الزراعي في الولايات المتحدة، ويأتي في وقت يشهد فيه أكبر موجة إغلاق مزارع منذ ثمانيات القرن، فضلاً عن أن المزارعين الروس بإمكانهم تعزيز مكانتهم في سوق الغذاء العالمية، عن طريق استغلال التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، التي فرضت رسومًا جمركية بـ25% على القمح الأمريكي، كما أن الحبوب الروسية قادرة على المنافسة من دون ذلك، حيث تحسنت جودتها كثيرًا، إلى جانب أسعارها الجذابة.