سيف الدين قطز.. قاهر التتار الذي قتله الظاهر بيبرس غدرًا
محمود الصادقرغم أن ولايته لم تدم سوى أقل من عام، إلا أنه قهر التتار وحرر القدس، ويُعد أحد أبرز ملوك مصر، على مر التاريخ، إنه سيف الدين قطز، الذي هزم التتار ومنع زحفهم على الدولة الإسلامية.
ويوافق اليوم الأحد 24 أكتوبر، ذكرى مقتل الملك المظفر سيف الدين قطز، والذي غدر به في عام 1260م، على يد الظاهر بيبرس"الملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُنْدُقْدارِي الصالحي النجمي" الذي تولى الحكم من بعده.
اقرأ أيضاً
وتعددت الروايات، حول سبب مقتل الملك المظفر "سيف الدين قُطُز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه"، الذي استطاع أن يرسي دعائم حكم المماليك البحرية في مصر بعد فترة من الاضطرابات السياسية وأن يؤمن الحماية لها من الخطر الخارجي، كما شهد عهده أول دخول مملوكي رسمي إلى بلاد الشام.
سيف الدين قطز قبل السلطنة
يروي الدكتور علي إبراهيم حسن في كتابه "دراسات في تاريخ المماليك البحرية في عصر الناصر محمد بوجه خاص"، أن الفترة الأولى لتأسيس الدولة المملوكية والتي تولى فيها عز الدين أيبك الحكم كانت مليئة بالاضطربات والفتن، والتي وصلت ذروتها بتدهور العلاقة بين أيبك وبين زوجته شجرة الدر بعدما علمت أنه أرسل يخطب بنت صاحب الموصل الملك بدر الدين لؤلؤ، فدب في نفسها الغيرة والحقد، وأرسلت في طلبه وحرضت عليه من قتلوه، وكان ذلك عام 1257.
وانتقلت السلطنة بعد مقتل المعز أيبك إلى ابنه على، وعمره يومئذ 11 سنة، ولقب بالمنصور وعُين سيف الدين قطز أتابكاً له "وصياً على العرش".
ولم يكن اعتلاء على، عرش السلطنة احتراماً لمبدأ الوراثة، فقد كان ذلك المبدأ غريباً عن عقلية المماليك، ولكن لأن أتباع أبيه رأوا أن الاحتفاظ بالعرش في بيته انتقاماً من قتلته.
وبدأ هذا السلطان الشاب عهده بالانتقام لأبيه من شجرة الدر، إذ أوعز إلى بعض الجواري فقتلتها، وفي عهده اضطربت الأحوال في مصر، لأن هولاكو ملك التتار كان قد وصل إلى حلب وبدأ يهدد بغزو الديار المصرية.
تولي سيف الدين قطز العرش
كان قطز يعمل منذ تعيينه أتابكاً للمنصور على اغتصاب الملك منه، فاستغل الفرصة وأعلن أن الملك منصور صغير السن، وأنه لا يحسن تدبير أمور مصر في مثل ذلك الوقت المضطرب الذي يحتاج إلى وجود سلطان معروف بالجرأة وسداد الرأي، كي يتمكن من قتال التتار وردهم عن مصر.
والحق أن المنصور كان شاباً مستهتراً بأمور الدولة، فهو طائش العقل يلعب بالحمام مع الصبيان في أحواش القلعة، وكانت أمه تتدخل في شئون البلاد تدخلاً سافراً.
فقبض عليه قطز واعتقله بقلعة الجبل، وأعلن نفسه سلطاناً على مصر سنة 1259، ولما أنكر الأمراء على قطز هذا العمل، اعتذر إليهم بقوله: "إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم".
واجه قطز تهديد التتار لمصر، وخرج للقائهم في 3 سبتمبر 1260، وألحق بهم هزائم شائنة في موقعة عين جالوت بين نيسان ونابلس بفلسطين، وقتل منهم النصف، وخرج بعد ذلك من دمشق عائداً إلى مصر حتى وصل إلى القصير، إحدى قرى مركز فاقوس بمديرية الشرقية، فبقى مع بعض خواصه وأمرائه ورحل جنده إلى جهة الصالحية.
سبب قتل سيف الدين قطز
يقول ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "ذكر سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري وهو الأسد الضاري وذلك أن السلطان الملك المظفر قطز لما عاد قاصدًا مصر وصل إلى ما بين الغزالي والصالحية، عدا عليه الأمراء فقتلوه هنالك، وقد كان رجلا صالحا كثير الصلاة في الجماعة ولا يتعاطى المسكر ولا شيئا مما يتعاطاه الملوك، وكانت مدة ملكه من حين عزل ابن استاذه المنصور علي بن المعز التركماني إلى هذه المدة وهي أواخر ذي القعدة نحوا من سنة رحمه الله وجزاه عن الإسلام وأهله خيرا، وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتفق مع جماعة من الأمراء على قتله فلما وصل إلى هذه المنزلة ضرب دهليزه وساق خلف أرنب وساق معه أولئك الأمراء فشفع عنده ركن الدين بيبرس في شئ فشفعه فأخذ يده ليقبلها فأمسكها وحمل عليه أولئك الأمراء بالسيوف فضربوه بها وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه".
فيما يروي الدكتور محمد سهيل قطوش في كتابه "تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام"، أن جماعة من المماليك بزعامة الأمير ركن الدين بيبرس قد اتفقوا على قتل السلطان لسببين الأول أن بيبرس أراد الانتقام لمقتل فارس الدين أقطاي الذي شارك قطز في قتله حتى يتولى أيبك الحكم، والثاني، أنه استاء من تراجع قطز عن وعده بمنحه نيابة حلب إذا انتصر على المغول، ومنحها لصاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ.
ويقول الدكتور رجائي عطية في كتابه "دماء على جدار السلطة": "لم يشفع للسلطان سيف الدين قطز ما حققه من انتصارات عظيمة على المغول، كان أبرزها انتصاره المؤزر عليهم في معركة عين جالوت، مما أوقف زحفهم على الشام ومصر، فقام نائبه الظاهر بيبرس بالتآمر مع أمراء المماليلك البحرية على قتله".
ويرى جلال الدين السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء": "أن قطز وعد بيبرس بإعطائه إمارة حلب ثم رجع قطز عن وعده، فتأثر بيبرس بذلك، ولما رجع قطز إلى مصر كان بيبرس قد أضمر الشر وأسر ذلك في نفسه، ثم اتفق بيبرس وجماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق".