نبرته الساخرة دفعته للموت.. ذكرى رحيل سقراط الذي مات بـ”سمه الخاص”
إيمان إبراهيم فهيم اثينا"وتجرع سقراط السم في بسالة" جملة سطرها أنيس منصور في كتابه "قلوب صغيرة" الذي وصف فيه أحد أكثر مشاهد التاريخ ألم وشجاعة في آن واحد" مشهد اعدام سقراط بسم الشوكران" بعدما ادانته حكومة اثينا الديمقراطية بتهمة الإلحاد وافساد افكارالشباب الاثيني، وبينما يحل اليوم الموافق 1522021 ذكرى محاكمته الشهيرة، لا يمكن الا ان نتذكر معا وقائع تاريخ فيلسوف مازالت مبادئه الفلسفية وذائقته الفكرية تشكل وجدان فلاسفة ومفكرى العالم حتى اليوم.
بريشة "جاك لوي دافيد" وبعين محب للفلسفة وأحد أهم روادها يمكن تتبع صورة المحاكمة بأكملها من لوحة الفنان دافيد، حيث يجلس سقراط على سريره مجسدا المعنى الأهم للموت من أجل أفكاره بلا ذرة ندم واحدة، بيد تمتد نحو كأس السم و بأخرى تعطي درسا اخيرا لأحد تلاميذه، وبينما يحيط بسريره 9 من تلامذته البادية على وجوههم تعابير مختلفه بين الفزع،الالم حد الجنون والصراخ بصمت في مواجه حائط اجوف، يجلس تلميذه الاثير "افلاطون" ذو التاسعة و العشرين عمرا برأس اشيب وجسد يظهرالعجزمتجسدا بمعانية الاكثر وضوحا، الما على فقدان معلمه.
سنوات قبل كأس السم
لنفس السبب الذي يحترم و يقدر سقراط من اجله مفكري العالم حكمت عليه هيئة اثينا العليا بالاعدام، فسقراط الداعم الاكبر لسلطة اثينا و المشجع على اطاعة القوانين و الالتزام بها كان صاحب الجدالات والاسئلة التي هدمت سمعة حكماء الامة وعرضتهم لساحة النقد العاري امام جماهير الشعب، ولم يكتفى سقراط بأفكاره المحطمة لأصنام المجتمع التي ترسخت في اذهان العامة لسنوات بل امتدت افكاره لتتناول رؤيته للدين و نقده للتطبيق الاثيني لنظام الديمقراطية الذي شارك فيه عامة الشعب في الانتخاب و اختيار ممثلي الامة، وامام اعجاب الشباب الاثيني بأفكار سقراط بدأت الحكومة في النظر لأسئلة سقراط كأحد اسباب هدم قيم الدولة و تفكيك الترابط المجتمعي بين مواطنيها.
جاء تقديمه للمحاكمة على يد ثلاث شخصيات مهمة في اثينا و هم "انيتو،ميليتو،ليفون" الذين رفعو اتهامهم لسقراط للمحكمة الاثينية، وامام 500 من ما يمكن ان يوصفوا الان بـ"هيئة المحلفين" مثل الفيسلوف الذي انتهت محاكمته بالموافقة على إدانة سقراط بإغلبية الاصوات.
كان الامل في الحفاظ على حياة سقراط مايزال قائما عندما اقترح بنفسه ان تشمل عقوبة المحكمة الاثينية توزيع طعام مجاني على عدد كبير من جماهير الشعب و دفع خمس ثروته للمحكمة، بينما اقترح افلاطون و عدد من تلامذته ان يدفع 3000 الاف درخم رغم ما عرف عن سقراط من الفقر المدقع، لكن الاقتراح الاخير جاء من جانب خصومه بتطبيق عقوبة الموت على الفيلسوف.
وامام واحدة من اهم مفارقات القدر خسرسقراط تعاطف هيئة المحلفين بسبب نبرة حديثة الساخرة التي استشعرها الجماهير، إضافة لكبريائة الذي منعه من طلب العفو، فقد جاء التصويت لصالح عقوبة الموت بـ360 صوتا كما ذكر افلاطون في احدى كتبه واصفا محاكمة معلمه وبينما تعالت النصائح في اذن سقراط بالهرب من اثينيا فورا، جاءت فلسفة سقراط فى عدم الخروج عن القوانين لأي سبب كدافعا اساسي للرفض القاطع للهرب والموافقة على مواجهة الموت في بسالة منقطعة النظير.
يخفى على الكثيرين حقيقة ان سقراط لم يكتب ايا من جدالاته او افكاره الفلسفية وانما قام تلميذاه النجيبان افلاطون و زينوفون بجمع افكاره ومنهجه الفلسفي في عدة كتب تخليدا لذكرى معلمهما تحت عنوان"الحوارات السقراطية"، وقد ضم الكتاب عدد كبير من المناقشات التي دارت بين سقراط و تابعيه بحيث تركت افكاره تندفع من خلال المنهج السقراطي في استرسال شديد، وبينما جمع افلاطون في حوارات معلمه المئات من جدالاته الفلسفية فقد فات عليه طرح سؤال مازال يضرب اذهان الكثيرين حول العالم بصورة محمومة...ماذا سيكون رأي سقراط في رجلا فضل الموت في سبيل افكاره بدلا من الحياة مدافعا عنها ؟