سياحة اللقاحات.. كيف غيرت جائحة ”كورونا” وجه العالم الحديث؟

يشهد العالم يوميًا تحولات ثقافية تضرب كافة مجالات الحياة، لكن وباء كورونا المستجد الذي اجتاح العالم بداية العام الماضي،هو أحد أهم المتغيرات على الساحة العالمية الآن.

وأحدث وباء "كورونا" تغييرات مؤثرة في العالم، سواء اقتصاديًا أواجتماعيًا أو ثقافيًا بصورة لم يسبق رؤيتها، وتعتبر إحدى أبرز التغيرات، هي ظهور أنماط تعاملات جديدة بين البشر،وأبرز هذه الأنماط يكمن في استحداث نوع سياحة لم يسبق للعالم اختباره من قبل، وهي سياحة اللقاحات أو ما  تعرف بـ Vaccine Tourism.

فبالرغم من معرفة العالم عشرات الأنواع من السياحة التي ظلت تتزايد، وفقًا لزيادة حاجات الأفراد ومقاصدهم من السفر، بداية من السياحة الثقافية والترفيهية كأقدم نوعين للسياحة وصولًا لسياحة التسوق التي اشتهرت بها مدن محددة في العالم، إلا أن سياحة اللقاحات تمثل أحدث وأغرب الأنواع العالمية للسياحة.

 

ما هي سياحة اللقاحات؟

يقصد بسياحة اللقاحات هو تنقل الأفراد بين الدول الموزعة للقاحات فيروس كورونا المستجد، ويرجع سبب استحداثها لسببين رئيسيين:

- اتجاه غالبية الدول الغنية المنتجة للقاحات فيروس كورونا إلى اتباع سياسة أنا أولا والتي تعني ضخ اللقاحات في مجتماتها وتقيح شعوبها أولًا قبل بدء التوزيع العالمي للقاح على باقي دول العالم والتي غالبا ماتكون دول ذات اقتصاديات منخفضة، وهو ما من شأنه أن يؤخر من توقيت حصولها على اللقاحات، وبدء عمليات التلقيح لمواطنيها بما يدفع الكثير من السكان لبداية رحلتهم الخاصة بالسفر للدول المنتجة للقاحات نفسها للحصول على جرعتها بدلًا من انتظار دورهم في إطار مجتمع نامي.

مع تنوع لقاحات فيروس كورونا بين عدة شركات منتجة وانتشار الأحاديث التي تستجوب مدى آمن وفاعلية لقاحات بعينها، خاصة في ظل وجود بعض الشائعات عن عدم استكمال التجارب المعملية للقاحات مثل "سبوتنكV" الروسي، حيث بدأ بعض السكان في البحث عن اللقاحات ذات المصداقية العالمية الأعلى، وهو ما دفع الكثيرين للسفر الى دول أخرى تعاقدت حكوماتها على لقاحات بعينها بدلًا من أخرى، ففي الوقت الذي تتيح فيه حكومة دولة الإمارات عدة أنواع من اللقاحات التي يسمح للمتلقى لها باختيار النوع الذي يفضله، تقصر بعض الدول مثل الأرجنتين وفنزويلا وبوليفيا اللقاح المتاح للجمهور على لقاح "سبوتنيك V".

 

بدايتها 

نقلت شبكة NBC News الأمريكية، أن أولى حالات سياحة اللقاحات عالميا تم تسجيلها في ديسمبر، بعدما أعلنت وكالة سفر هندية عن ترتيبها لرحلات للمواطنين الهنود من مومباي لنيويوك، بهدف الحصول على لقاحCovid-19.

في نفس الوقت الذي أكدت فيها صحيفة The Print الأمريكية، قيام العديد من وكالات السفر بالهند بتنظيم جولات سياحية للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وروسيا، للحصول على لقاحات Covid-19.

 

الإجراءات القانونية الدولية

تخلق سياحة اللقاحات تساؤلات واسعة عن مدى اخلاقية هذا النوع من السياحة، الذي ينتقل فيها أفراد من دولة أو من ولاية لأخرى بهدف الحصول على لقاح للوباء في نفس الوقت الذي تحدد فيه الدول إجراءات تنظيمية دقيقة لتوزيع اللقاحات على المواطنين بداية بمقدني الرعاية الطبية مرورًا بكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وحتى باقي الفئات.

وفي هذا السياق تعمل بعض الدول بصورة موسعة على التصدي لسياحة اللقاحات فلا يسمح في بريطانيا – على سبيل المثال - التي يتم فيها توزيع اللقاح بصورة مجانية من خلال خدمات الصحة الوطنية لا يمكن الحصول على اللقاح بدون تأكيد البيانات الشخصية للمواطن بما فيها محل إقامته.

بينما اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة مختلفة تدع الحرية لكل ولاية لتحديد الإجراءات التنظيمية لمواطنيها بصورة مستقلة، إذ اتجهت بعض الولايات لإنشاء مراكز للتوزيع يسمح فيها للمواطنين بتحديد مواعيد تلقيهم للقاح، بينما تجهت ولايات أخرى لتنظيم تجمعات كبيرة يحصل فيها من يصل اولا على اللقاح.

على صعيد آخر، سمحت ولاية كارولينا الشمالية للمواطنين من ولايات أخرى بالسفر لتلقي اللقاح داخل حدود الولاية، وجاء ذلك حسب قرار وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في الولاية وهو الأم، الذي من شأنه أن ينزع عن سياحة اللقاحات اتهامات عدم قانونيتها، لكنه يفسح المجال لطرح تساؤلات أخرى عن مدى عدالة توزيع اللقاحات عالميًا وداخليًا في الوقت الذي لم تتمكن فيه دول بأكملها في أمريكا الجنوبية من تلقي أي جرعات للقاح كورونا بسبب اقتصادياتها المنخفضة.

ويبقى السؤال قائمًا.. هل تضع أنظمة توزيع اللقاحات العالم على شفا كارثة أخلاقية كبرى؟