ذكرى وفاة الصوت الباكي... ماذا قال الشعراوي عن ”المنشاوي”؟
فاطمة هشام سالمهناك أشياء خالدة على مر الأزمنة والعصور، كتابات لا تبهت، وكلمات لا تموت، وأصوات لا تخفت، يموت أصحابها وتخلد إلى الأبد.
مر ما يزيد عن 52 عامـًا ولا زال هذا الصوت خالدًا يصدح بالقرآن الكريم، مات صاحبه في حين ظل صوته حيًا ينبض بالخشوع، يسمعه الملايين في كل مكان وكل زمان.
وحلت الذكرى الـ 52 على رحيل هذا العملاق صاحب الصوت الباكي، الذي أسر القلوب وسحر الآذان بجميل تلاوته وخشوع ترتيله لآيات الكتاب الحكيم.
اقرأ أيضاً
فمن هذا القارئ الذي يعد أشهر من نار على علم..؟!
مولده ونشأته:
تبدأ قصتنا مع هذا الصوت الشجي الخالد في مركز المنشأة التابع لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، حيث ولد طفل سيكبر ليكون أحد عملاقة تلاوة القرآن الكريم في مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي.
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي في اليوم العشرين من شهر يناير لعام 1920 ونشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فوالده الشيخ صديق المنشاوي الذي اشتهر بكونه القارئ الوحيد على مستوى الصعيد، وجده هو الشيخ تايب المنشاوي، وجد والده قارئ أيضًا وعائلته تشتهر بحفظهم للقرآن وتلاوتهم له بصوت عذب، وكذلك أخوه محمود المنشاوي كان قارئًا، ولذا يمكن أن نطلق عليهم (المدرسة المنشاوية).
حفظه للقرآن الكريم:
تعلم الشيخ محمد المنشاوي من والده الشيخ صديق المنشاوي، فن قراءة القرآن الكريم الذين كان متقنًا للقراءات العشر الكبرى، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ وبدأت رحلته في حفظ القرآن مع عمه القارئ أحمد السيد الذي ارتحل معه إلى القاهرة وهناك حفظ ربع القرآن في عام 1927، ثم عاد مجددًا إلى بلدته المنشأة وهناك أتم حفظ باقي القرآن على يد مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذي كان لا يتقاضى أجراً على التعليم.
مميزاته
يتميز الشيخ المنشاوي بصوت ذو بصمة خاصة في تلاوة القرآن الكريم تميز بصوت خاشع تصاحبه مسحة من الحزن، لذا اشتهر الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي"، الذي كان يسحر القلوب بتلاوته الخاشعة العذبة.
بدأ رحلته في تلاوة القرآن الكريم بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى أتيحت له الفرصة للقراءة منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه مترددًا في الأنحاء، واشتهر بتلاوته العذبة الشجية.
تسجيله للقرآن الكريم:
قام الشيخ محمد صديق المنشاوي بتسجيل القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، والتي رفض الالتحاق بها، ليكون بذلك أول قارئ تذهب إليه الإذاعة لاعتماده، وذلك بعد انتقال الإذاعة المصرية إلى منطقة «إسنا»، أحد مراكز الأقصر، وحينها ذاع صيت المنشاوى ووصل عنان السماء.
لذا أرسل مسؤولي مبنى الإذاعة المصرية إلى الشيخ محمد صديق المنشاوي يطلبون منه أن يتقدم بطلب ليُعقد له اختبار، فإن اجتازه، يُعتمد مقرئًا بإذاعة القرآن الكريم المصرية، ولكنه رفض وقال: " لا أريد القراءة بالإذاعة فلست في حاجة إلى شهرتها، ولا أقبل أن يُعقد لى هذا الامتحان أبدًا".
فما كان من إذاعة القرآن الكريـم إلا أن أرسلت رجالها بأن تنتقل الإذاعة إلى حيث يقرأ الشيخ محمد صديق المنشاوي، وبالفعل فوجئ الشيخ وكان يحيي حفلاً رمضانيًا في قرية إسنا، بدار أحد الأثرياء، حين وجد الإذاعة قد أرسلت مندوبها لتسجل قراءته وتلاوته العذبة.
كما توجه فريق آخر إلى قرية العسيرات لتسجيل تلاوة الوالد صديق المنشاوي، وبهذا تم تسجيل قراءة الأب والابن في فترة متقاربة ويكون الاثنان أول من انتقلت إليهما لتسجيل هذا الصوت الشجي العذب.
رحلته في دولة التلاوة
قام الشيخ محمد صديق المنشاوي بتلاوة القرآن الكريم في في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس.
كما قام الشيخ محمد صديق المنشاوي بزيارة العديد من الدول الإسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية، وحصد الشيخ المنشاوي العديد من الأوسمة من عدة دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان.
ذاع صيت الشيخ المنشاوي ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية، وقد قال عنه الشيخ محمد متولى الشعراوى: "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي، إنه ورفاقه الأربعة مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط، والبنَّا، والحصرى، يركبون مركبًا، ويُبحرون فى بحار القرآن الكريم، ولنْ تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها".
وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي:
ابتلى الله القارئ صاحب الصوت الباكي الشجي والعذب بمرض دوالي المريء في عام 1966، إلا أنه لم يكن ليترك تلاوة القرآن رغم مرضه، فظل يتلو آيات الله آناء الليل وأطرف النهار، وظل القارئ المنشاوي يقاوم المرض ويصبر على الابتلاء حتى رحل عن الدنيا في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969 م.
مات الشيخ المنشاوي ولكنه ظل يحيا في قلوبنا بصوته الشجي، هذا الصوت الذي يرتل آيات الله لنشعر بها تطمئن قلوبنا وتنير صدورنا.
رحم الله الشيخ الجليل.
إقرأ أيضًا: