جائحة كورونا.. انتصر العلم وتوارت الخرافة
بقلم : بهجت العبيدي
لا سبيل إلى المعرفة ولا طريق إلى التقدم ولا وسيلة للرقي سوى باستخدام العقل والاعتماد على العلم، ما دون ذلك كله عبث لا طائل من وراءه، دون ذلك ما هو إلا مضيعة للوقت وإهدار للجهد، ما دون ذلك ما هو إلى سبات عميق يوهم صاحبه بحالة رضا بليدة وقناعة عقيمة.
تأخذني الذاكرة إلى قصة الأيام لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والتي تحكي قصة حياته والتي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني من بطولة الراحل الرائع أحمد ذكي، والذي جسد ببراعة دور العميد، تلك القصة، وبالتالي المسلسل، الذي تناول من ضمن أحداثه وباء الكوليرا الذي ضرب مصر في بدايات القرن العشرين حيث يتكلم طه حسين عن الكوليرا (الأيام ج1 ص123-131):”
كان هذا اليوم يوم 21 اغسطس من سنة 1902 . وكان الصيف منكراً في هذه السنة . وكان وباء الكوليرا قد هبط َ مصرَ ففتك بأهلها فتكاً ذريعاً، ودمرّ مدناً وقرىً ، ومحا اُسراً كاملة . وكان “سيدنا” قد أكثر من الحُجبِ وكتابة المخلّفات، وكانت المدارس والكتاتيب قد اُقفلت ، وكان الأطباء ورُسُل مصلحة الصحة قد انبثوا في الارض ومعهم أدواتهم وخيامهم يحجزون فيها المرضى ،وكان الهلع قد ملأ النفوس واستأثر بالقلوب، وكانت الحياة قد هانت على الناس ، وكانت كلُّ اُسرةٍ تتحدث بما أصاب الأسر الأخرى وتنتظر حظهّا من المصيبة.... وتلك الصورة التي صورها الدكتور طه حسين فيها شبه كبير فيما حدث في جائحة كورونا.
اقرأ أيضاً
- ضبط لصوص مساكن مصر الجديدة.. أخفوا المسروقات في عين شمس
- سقوط عصابة سرقة الدراجات النارية عن طريق توصيل الأسلاك في شبرا
- ضبط 14116 شخص لعدم الالتزام بارتداء الكمامات الواقية
- 7 معلومات عن مدينة السيارات العالمية.. السيسي يكلف بأن تكون متكاملة
- النطق بالحكم على قاتل شقيقين بالشرابية 28 يونيو
- سحب 4850 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني
- تفاصيل مشاجرة بالأسلحة النارية ومقتل وإصابة 2 في شبرا الخيمة
- ضبط مناظير بنادق قناصة بمطار القاهرة
- تعرف على الحالة المرورية في القاهرة والجيزة
- انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل عقار سكني بمنطقة المرج
- 4 قرارات جمهورية جديدة.. اعرف التفاصيل
- تفاصيل التحول الرقمي وبدء العمل الحكومي ونقل الموظفين للعاصمة الجديدة
ولقد صور المسلسل استغلال شيخ "الكتّاب" لانتشار هذا المرض اللعين استغلالا كبيرا لجني الأرباح من خلال "الحُجبِ وكتابة المخلّفات" كما ذكر طه حسين، هذا الذي لم يأت ولن يأتي في يوم من الأيام بأية نتيجة، وهذا الذي يمثل طريقة التفكير الأسطورية والغيبية، في مقابل طريقة التفكير العقلية التي تعتمد على البحث والتجربة، تلك الطريقة التي هي، وهي فقط، القادرة على مواجهة الأمراض، مهما طال الزمن، ومهما تكبدت البشرية من خسائر إلى أن ينقذها العلم من أية مصيبة تحل بها.
وما بين ضرب وباء الكوليرا لمصر الذي وصفه عميد الأدب العربي في الفقرة السابقة، وانتشار جائحة كورونا في القرن الواحد والعشرين وعلى وجه التحديد في نهاية فصل الشتاء وبداية فصل ربيع من العام الماضي ٢٠٢٠ يمكننا أن نرصد بعض المتغيرات الطفيفة في العقل الجمعي المصري، فإن كانت هناك فئة من أبناء مصر في حالة وباء الكوليرا قد لجأت إلى استخدام "الحُجبِ" وغيرها من ما يمكن أن يطلق عليه "علاج غيبي يعتمد على البركة" فإن ذلك في جائحة كورونا لم يكد أن نلحظه في المجتمع المصري ما يؤكد تطور العقل الجمعي الذي آمن أن مثل تلك الوسائل لا فائدة منها ولن يكون لها أية نتيجة في مواجهة هذا الفيروس الشرس، ويمكننا أيضا أن نلحظ دون كثير عناء أن هؤلاء الذين يتاجرون بما يطلقون عليه "الطب النبوي" أو "العلاج بالقرآن" قد انسحبوا من المشهد واختفوا تماما، فالوقت ليس وقت دجل ولا شعوذة ولا خداع الناس باسم الدين، وطبعا وجدنا سقوطا ذريعا لما كان ينشره البعض عن ماء بئر زمزم التي هي لما شُرِبَتْ فلم نجد متاجرة بمثل هذه الفكرة بملء عبوات من ماء هذه العين المقدسة وبيعها علاجا لهذا الفيروس، وهو ما يؤكد ضرورة تفسير هذا الحديث الذي يردده المسلمون "إن كان صحيحا"، فبكل تأكيد فإن التجربة تؤكد عدم صوابه على هذا الشكل من السرد.
إن اختفاء هذه النوعية ممن يزعمون قدرة على العلاج بغير الطرق العلمية المعتمدة، والذين يروجون لبضاعتهم الفاسدة بإلباسها لباسا مقدسا، يؤكد مدى كذبهم، ليس على المرتادين على "دكاكينهم" فحسب، بل على الدين والقرآن والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم من أجل مكسب دنيوي.
نعم اختفى المشعوذون ولم يبق على الساحة إلا الباحثون الجادون والعلماء المتمكنون من علم الطب الحديث والذين كلهم من جنسيات الدول المتقدمة علميا، أو ممن يقيمون على أرض تلك البلدان المتقدمة، الذين عكفوا على بحث الفيروس وخصائصه وأغلقوا على أنفسهم معاملهم البحثية، وأخذوا في إجراء التجربة تلو التجربة إلى أن استطاعوا الوصول إلى لقاح يحمي الإنسان من شراسة هذا الفيروس المميت. واقترب العالم، بفضل العلم، إلى العودة مرة أخرى ليحيى حياته الطبيعية.
نعم نجح العلماء، واختفى البهلوانات الذين يلعبون بالبيضة والحجر، واهمين البسطاء أن لديهم علاجا نافعا لكل الأمراض، وإذا بهم ساعة الجد "فص ملح وذاب"، ولكننا لا نستبعد أن يعودوا إلى سيرتهم الأولى بعد انقضاء الجائحة ويخرجوا علينا بمزيد من العبث وكثير من الضوضاء وعديد من "الإعجازات العلمية الفنكوشية"، التي تستهوي عقول البسطاء.
إن انتصار العلم في هذه المعركة مع فيروس كورونا، والذي كنا قد توقعناه وبشرنا العالم به، حيث نشرنا مقالا ضمن سلسلة مقالاتنا الأسبوعية لصحيفة صدى البلد في الاثنين التاسع من مارس من العام الماضي ٢٠٢٠ تحت عنوان "مع كورونا.. الإنسان القوى العظمى في الأرض".
إن هذا الانتصار الذي حققه العقل والعلم لن يكون نهاية المطاف، فسيظهر بعد حين معضلة جديدة ومرض جديد وفيروس آخر، فيشتبك معه العلم مرة أخرى وسيكون له أيضا الغلبة التي هي انتصار للعقل الذي نقل الإنسان من حالته البدائية إلى عصر العلم والتكنولوجيا وغزو الفضاء.