ننشر كلمة أبو الغيط في جلسة البرلمان العربي لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية بالقدس
أحمد يوسفألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الأربعاء، كلمة خلال أعمال الجلسة الطارئة للبرلمان العربى برئاسة عادل العسومى، لبحث العدوان الإسرائيلى المتواصل على أبناء الشعب الفلسطينى وانتهاكاته المستمرة فى قطاع غزة.
وفيما يلى نص كلمة أمين عام الجامعة العربية:
فخامة الرئيس محمود عباس
رئيس دولة فلسطين
معالي السيد عادل بن عبد الرحمن العسومي
رئيس البرلمان العربي
السيدات والسادة..
اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالشكر للبرلمان العربي الذي سارع إلى عقد هذه الجلسة المهمة من حيث توقيتها ومغزاها والرسالة التي تحملها إلى العالم..
إننا نترحم على أرواح الشهداء الذين سقطوا ضحايا هجمات الاحتلال الوحشية.. ونُذكِّر بأن نصف الشهداء في غزة هم من النساء والأطفال.. بما يكشف عن نوعية المعايير الأخلاقية والقانونية التي يتبناها الجيش الإسرائيلي الذي طالما أشاع في العالم أنه من أكثر جيوش العالم التزاماً بالقانون الإنساني وأخلاقيات الحرب... لقد تضمنت الأهداف في قطاع غزة، على مرأى من العالم كله، مدارس ومنازل ومشافي ومقراتٍ للإعلام، بما في ذلك الإعلام الدولي.. وكل هذا مُسجلٌ ومعروف ويفضح أسطورة الجيش الأخلاقي التي يتشدق بها الاحتلال.
ومع كل ما نشعر به من ألمٍ لهذه الدماء التي تُراق وهذه الأرواح التي تُزهق.. فإننا أيضاً نشعر بالفخر.. نعم.. يحق لكل فلسطيني أن يرفع رأسه في كبرياء وعزة.. لأنه أظهر للعالم، بالعمل لا بالكلام وبالنضال لا بالهتاف، أن صموده على أرضه وتشبثه بتراب الوطن أغلى عنده من الحياة نفسها.
وظني أننا أمام لحظةٍ نادرةٍ في هذا تاريخ الصراع الطويل.. فبعد أن ملأ الاحتلال الدنيا بأكاذيبه ورواياته التي جعلت من الضحية جلاداً ومن الشعب المحتل ممارساً للعنف والإرهاب.. تظهر حقيقة الوضع ساطعة بكل ما تنطوي عليه من قبح وبشاعة: شعبٌ مُحتل.. يعيش تحت نظام للفصل العنصري.. وحكومة احتلالٍ تفرض نظاماً ممنهجاً للتطهير العرقي.
إن من واجبنا جميعاً أن نوصل الصوت الفلسطيني للعالم في هذه اللحظة النادرة التي تهيأت فيها الآذان لسماع صوت الحق.. من واجبنا أن نذكر بأن هذه الأحداث الدامية قد بدأت في شهر رمضان المبارك.. أقدس الشهور لدى المسلمين.. عندما سعت سلطات الاحتلال – في استفزاز متعمد- إلى التضييق على المقدسيين في ممارستهم لشعائرهم، ولحقهم في التجمع حول البلدة القديمة، والدخول إلى المسجد الأقصى الذي تهفو إليها قلوب المسلمين جميعاً، لا الفلسطينيين وحدهم.. وهذه كذبة أخرى فضحتها الأحداث.. إذ طالما تبجح الاحتلال بأن مدينة القدس مفتوحة أمام المسلمين لإقامة الشعائر.. بينما الواقع يتحدث عن نفسه.. لقد منعت قوات الاحتلال إقامة الشعائر.. بل واقتحمت هذه القوات باحات الأقصى، ضاربة عرض الحائط بما يُسمى "الوضع القائم" في المدينة.. في محاولة مكشوفة لتغيير القواعد المستقرة منذ زمن في الأماكن المقدسة بالمدينة، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وباحاته.
أقول إن من واجبنا أن نُذكر أصحاب الضمائر بأن هذه الأحداث التي تتصاعد اليوم في غزة وغيرها من الأراضي المحتلة، قد بدأت في القدس.. لأن القدس تحت الاحتلال.. ومن الخطأ أن نقول إن الاحتلال يُمارس الجرائم.. لأن الاحتلال في حد ذاته هو أبشع جريمة.. جريمة يومية مستمرة في حق الإنسانية كلها لأنها توافق على استمراره واستدامته.
إن ما حدث في الشيخ جراح يحدث في أحياء أخرى في القدس منذ سنوات بل وعقود.. وهو ليس نهجاً عشوائياً بل خطة متواصلة لعزل المقدسيين عن القدس.. وإحاطة البلدة القديمة بحزام متصل من الوجود اليهودي.. إرضاء لنزعاتٍ يمينية متطرفة ونبوءات دينية قوامها الكراهية والشعور بالاستعلاء.. وللأسف فإن هذه النزعات اليمينية لم تعد على الهامش بل صارت جزءاً أصيلاً من الحكم القائم في إسرائيل.. وأجندة الحكم الحالي هي ذاتها أجندة أقصى اليمين المتطرف مهما تظاهر بغير ذلك.
وفي ظل هذا الوضع، فلا نبالغ إن قلنا إن بيوت الشيخ جراح لها أهمية استراتيجية.. إن هؤلاء الفلسطينيين المرابطين الصامدين، الذين لم يقبلوا أن يُطردوا بليل من بيوتهم.. يعرفون أنه لو نجح المستوطنون في تفريغ الشيخ جراح من سكانه اليوم.. فغداً يأتي الدور على سلوان ووادي الجوز وغيرها من أحياء القدس العربية.. ولن يمر وقتٌ طويل قبل أن تتهود القدس.. ويصير وجود الفلسطينيين فيها هامشياً.. خلف أسوار الفصل العنصري.. وبعيداً عن البلدة القديمة ومحيطها... هذا هو الهدف وذلك هو المخطط الذي أفسدته شجاعة الفلسطينيين وبطولة المقدسيين وأبناء الضفة والقطاع... لذلك فإن تضامننا معهم هو في واقع الأمر تضامنٌ مع أنفسنا.. مع مقدساتنا، مسلمين ومسيحيين.. ومع رابطتنا مع القدس عبر القرون الطوال.
السيدات والسادة..
لقد اجتمع وزراء الخارجية العرب في دورة طارئة الأسبوع الماضي.. وصدر عن المجلس الوزاري قرار مهم من أجل نصرة الفلسطينيين في نضالهم النبيل ودعم صمودهم في مواجهة جرائم الاحتلال.. ويتواصل حالياً العمل الدبلوماسي العربي في أروقة الأمم المتحدة، ومع عواصم القرار الدولي.. بهدف وقف العدوان الإسرائيلي، وتوفير الحماية للفلسطينيين ومحاسبة الاحتلال على ما ارتكبه من جرائم.
ويتضمن القرار العربي كذلك خطة للتحرك تشارك فيها كافة أذرع العمل العربي المشترك، ومن بينها برلمانكم الموقر.. إذ يتوجب علينا جميعاً العمل بشكل حثيث من أجل التواصل مع كافة الفاعليات الدولية، بما فيها المجالس المنتخبة في كافة الدول، بهدف كشف فظائع الاحتلال ومخططاته.. ودعوة العالم للتضامن الحق الفلسطيني.
إن جهودنا من أجل كسب معركة الرأي العام، وهي في هذا العصر قد تفوق في أهميتها معركة السلاح، هي أقل ما نقدمه لإخوتنا الصامدين في فلسطين... ولأمهات فقدن الزوج والولد لا لشيءٍ إلا لأنهم أحرارٌ يحملون بين جوانحهم حُلم الوطن المستقل والعيش بكرامة.. إننا نقف تحية وإكباراً لأبناء الشعب الفلسطيني، ونترحم على الشهداء.. ونقول إن الحلم سيتحقق مهما طال ليل الاحتلال.
شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته