العيد كما عَرَفَهُ العرب
بقلم أد/ جودة مبروك
ارتبط لفظ العيد بالاحتفال والسعادة وتبادل التهاني بين الناس في مناسبات عامة في المجتمع أو خاصة، فالعام مثل الأعياد الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى أو وطنية مثل عيد تحرير سيناء ، والخاصة مثل عيد الميلاد ، وفصلية مثل عيد الربيع وعيد شم النسيم.
لكنَّ الأصل في (العيد) ما يعودُ مِنْ أمورٍ متغيرة، فليس شرطًا أن يدلَّ على الفرح والسعادة، فنقول أَمْرُهُ عِيدٌ: مَا يُعُودُ الإِنْسَانَ مِنْ هَمٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ شَوقٍ وَ مَا إلى ذلك.
والاحتفال بهذه المناسبات لتجددها مثل الأعياد الدينية، ومنها ما مضت مثل الأعياد الوطنية، ولكن يحتفل بها لتذكر أمجاد الوطن واستدعاء روح تلك المناسبة، مما يترك أثرًا جميلاً في نفوس الجيال اللاحقة.
والعيد في اللغة من عاد يعود إذا رجع بعد مجيء، وهو التكرار والتجدد باستمرار، وربما سمِّيت بذلك المناسبات الفرحة تفاؤلاً لعودته مرة ثانية، يؤيد ذلك عبارة (عساكم مِنْ عُوَّاده) في الخليج، فهي رجاء لعودة العيد وهم سالمون مطمئنون. وأما عن التسمية فيعللها العالم اللغوي الكبير ابن الأعرابي بقوله: (سمّي عيدًا لأنّه يعود كلّ سنة بفرح متجدد)، وهو: الموسم، وكلّ يوم فيه جمع ،أو تذكار لذي فضل، وقيل: حادثة مهمّة.
ومن لفظ العيد أخذت (العادة) و(الاعتياد) وهو المداومة على الشيءِ.
أما العيد عند الشعراء فهو مختلف، حيث إن الأدب يغيِّرُ في دلالة الكلمة، وينتج منها معاني مجازية، فالعيد يكتسي بلون النفس، فهو الفرحة والسعادة، وهو الحزن والكآبة، والمتنبي شاعر الحكمة في العربية يتساءل في قصيدة شهيرة بقوله:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
والقصيدة في هجاء كافور الإخشيدي، قالها في ليلة عيد الأضحى المبارك، وهو يتهيأ للهروب من مصر، وقد تناول المتنبي وجهًا آخر من العيد، فهل مجيء العيد مصحوبًا بالهموم التي لحقته في بمصر، أم بأمرٍ آخر سوف يغير حاله، ووصف في هذه القصيدة أحزانه وكآبته ببعده عن وطنه.
لكن أمره يختلف مع سيف الدولة بقوله:
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وكما ذكرنا أن العيد يختلف من شخص إلى آخر، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
من سره العيد فما سرني بل زاد في همي وأشجاني
لأنه فكرني ما مضى مِنْ عهد أحبابي وإخواني
لكن إيليا أبو ماضي يستعين بالعيد ليغازل محبوبته بقوله:
أَيُّ شَيءٍ في العيدِ أُهدي إِلَيكِ يا مَلاكي وَكُلُّ شَيءٍ لَدَيكِ
أَسِواراً أَم دُمُلجاً مِن نُضارٍ لا أُحِبُّ القُيودَ في مِعصَمَيكِ
أَم وُروداً وَالوَردُ أَجمَلُهُ عِندي الَّذي قَد نَشَقتُ مِن خَدَّيكِ
لَيسَ عِندي شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الروحِ وَروحي مَرحونَةٌ في يَدَيكِ
وكتب الرافعي كتب مقالتين في وحي القلم عن العيد، وعبَّر عنه أنه فاصلٌ بين زمنين، الخروج من زمن مضى والذهاب إلى زمن آتٍ.
وما أشبه الليلة بالبارحة في قول الشاعرة فدوى طوقان:
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّا مضرَّجـًا بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً ونَصْـرًا ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
وها هي ذي الأيام تعود إلى أن لا تعود.