«أصحى يا نايم».. «المسحراتي» على وشك الانقراض
بصوته الجهوري ما زال المسحراتي يطوف الشوارع، ومن فوقه أنوار رمضان تضئ له الطريق، حاملا طبلته وعصا بيديه يدق بها، مرددا معها نداءات مختلفة وعديدة، تحمل ذكرا لأسماء الأطفال والكبار أو بعض التهليلات أو الأناشيد الدينية، وتظل أكثرها ثباتا جملة "أصحى يا نايم.. وحد الدايم"، بهدف واحد سامي وهو إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر من أجل تناول وجبة السحور.
ليكمل المسحراتي بجولته الليلية وقبل الإمساك بساعتين، صورة من تقاليدنا الشعبية وموروثتنا الرمضانية، التي لا يكتمل الشهر دونها.
- بلال مؤذن ومسحراتي الأمة
وكانت مهمة إيقاظ الناس للسحور في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تقع على كاهل سيدنا بلال بن رباح، أول مؤذّن في الإسلام، مع ابن أم كلثوم، فالأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام.
- المسحراتي في الدولة الفاطمية
وفي عهد الدولة الفاطمية أمر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي، حيث كان قد أصدر أمرا بأن ينام الناس مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان جنوده يمرون على البيوت من أجل تسحير الصائمين، وفقا لما ذكره كتاب "رياض المعرفة" للكاتب الدكتور عبد الله أبو علم عن مهنة المسحراتى (ص360)، ومن ثم قاموت بعدها بتعيين رجلا، عرف باسم المسحراتي، وكانت مهمته تقتصر في دق الأبواب بعصا يحملها قائلا "يا أهل الله قوموا تسحروا".
- عنبسة ابن اسحاق
كما كان أول من نادي بالتسحير عام 228 هـ، هو والي مصر في عهد الدولة العباسية، عنبسة ابن اسحاق، وكان يقوم بعمل المسحراتي تطوعا منه، ويتولى مهمة إيقاظ الناس بنفسه، وذلك بعدما لاحظ لا احدا يتولى مهمة تسحير الصائمين من أهالي مصر، فكان يمشي على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط وحتى جامع عمرو بن العاص وينادي النّاس بالسحور، على قول رسول الإسلام محمد "صلى الله عليه وسلم" "تسحروا ففى السحور بركة".
- المسحراتي في مصر
ولأن مصر دائما ما تضفي بصمتها على الأشياء، كان المصريون أول من أيقظوا النّاس على الطّبلة، وكان "المسحراتية" في مصر يطوفون بشوارع المدينة أو القرية يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس، طالبين منهم أن يوحدوا الله، وكان المسحراتى قديما وقبل تزيين اشوارع بالأنوار، يرافقه رجل آخر يحمل فانوسا، حتى يشاهد المسحراتى الطريق فى ليالى رمضان الحالكة السواد.
- مواهب المسحراتي
مع تقدم الزمن لم تقف مهنة المسحراتي عند إيقاظ الصائمين من المسلمين فقط، وإنما امتدت لتتبنى مواهب عدة للمسحراتي، كان أبرزها تلحين العبارات تحمل نفس الوزن والقافية بواسطة ضربات فنّية يوجّهها إلى طبلته، ارتبطت في أذان كل من سمعها، مثل "اصحي يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت بكرة إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. ورمضان كريم".
- في نهاية شهر رمضان
كان المسحّراتي لا يأخذ أجره طوال الشهر، وكان يجوب الشوارع يوقظ النائمين ويسحر الصائمين دون مقابل فوري، وكان أجره يتجمع بدءا من الأيام الأخيرة لشهر رمضان، وحتى أول أيام العيد، فيمر بالمنازل منزل يليه الأخر بصحبة طبلته المعهودة، فيضرب على طبلته نهار العيد، فيهب له النّاس بالمال والهدايا والحلويّات ويبادلونه عبارات التّهنئة بالعيد السّعيد.
- المسحراتي ببلاد الشام
لأهل الشام، طقوس رمضانية مختلفة مع المسحراتي، ففي بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، أما أهل الشّام فكانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.
- مهددة بالانقراض
ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع تكنلوجيا، لم يعد لتلك المهنة مكانتها، وأصبحت شبه منقرضة بعدما كانت مشهورة ومتزاولة بقوة، خاصة في بلدان الخليج العربية، مثل السعودية والبحرين وقطر والكويت، بجانب بعضا من بلدان شمال أفريقيا مثل مصر وتونس والجمهورية السودانية وليبيا سوريا وغيرها.