الإمام الطيب يوضح الأصل في النهي.. ويؤكد أن النبي دعا على المتشددين بالهلاك
تحدث الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في حلقته الخامسة عشر من برنامجه اليومي "الإمام الطيب" في موسمه الخامس في شهر رمضان المبارك لعام 2021، عن وسطية الإسلام ويسر شريعته، حيث قال : إن القرآن الكريم به آيات كثيرة تعلمنا أن الله لا يكلف الإنسان من الأوامر إلا القدر الذي يستطيع الوفاء به، وتتسع له قواه وطاقته ووقته، وأنه -تعالى- لا يكلفه ما يعجز عنه أو يحمله على الانقطاع وعدم الاستمرار.
وأكد الطيب على ذلك بما جاء في الحكمة النبوية التي تؤكد على أن العمل القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، فضلا عن وجود نهيا صريحا عن المغالاة في التدين وفي العبادة، بجانب ما فيها من ذم واضح للتنطع والتشدد في الدين والتوقف عند الظواهر والأشكال.
- دعاء النبي على المتشددين "بالهلاك"
وذكر فضيلته أن النبي دعا على المتشددين بالهلاك عندما قال، صلى الله عليه وسلم- لثلاث مرات : "هلك المتنطعون"، مستشهدا أن التاريخ يشهد لهؤلاء المتشددين عدم ظهورهم إلا عند الهلاك، كما عنف النبي، الإمام الذي أطال الصلاة بالناس، محدثا إياه : "يا معـاذ! لا تكن فتـانـا، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر".
وأشار إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يسرع في صلاته إذا ما سمع بكاء الأطفال، وكان يقول صلوات الله عليه : "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبى فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شـدة وجد أمه من بكائه".
- الاقتصار على أداء الفرائض
في الوقت الذي أوضح فيه الطيب، أن يسر التكاليف فى الإسلام بلغ أن الاقتصار على أداء الفرائض يكفي في تحصيل السعادة في الدنيا والآخرة، مستدلا بحال الرجل الذي وعد النبي بالالتزام بأداء الفروض فقط دون زيادتها أو النقصان منها، فكان رأي النبي عنه: "أفلح إن صدق"، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم :"ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له:ادخل بسلام".
- محاولات للتنميط تخالف الشريعة
وأكد الإمام الطيب على أن فلسفة "الأمر" في التشريع الإسلامي، تتعارض كليا مع محاولات: "التنميط" التي تسعى المذهبيات المنتشرة على الساحة الآن لترويجها، والتي تحاصر من خلالها حياة المسلم، رغم ما تمثله من انحراف في فهم الإسلام وعرض منفر رديء لشرائعه وأحكامه، موضحا أن جمهور العلماء من الأصوليين والنظار ذهب إلى أن مجرد النهي يدل على "التحريم"، استنادا لقوله -تعالى-: "وما نهاكم عنه فانتهوا"، في الوقت الذي ذهب فيه كثير منهم إلى أن مطلق النهي لا يفيد التحريم، بل يفيد "الكراهة" أو "التنزيه" الذي يقابل التحريم، ويبقى هناك رأي ثالث يفيد بأن "النهي" يظل موقوفا لا دلالة فيه على تحريم أو كراهة إلا بانضمام دليل آخر، يحدد قصد التحريم أو قصد الكراهة.
- سوء فهم ينتج إسلاما غريبا
ليتسبب سوء الفهم لمباحث "الأمر" في التشريع الإسلامي في عدد من المزايدات والآراء والفتاوى المتشددة، وعرض أحكام الشريعة عرضا مدلسا مغشوشا، لعب فيه الجهل بمباحث "النهي" دورا خطيرا في تحويل الإسلام إلى قائمة من الممنوعـات، تحرم على الناس ما أحله الله لهم، موضحا أن المبشرين بهذه المذاهب المشوهة لو فطنوا لأنظار العلماء فى باب الأمر والنهي فى التراث الأصولى، لأدركوا أنهم يبشرون بإسلام غريب شكلا وموضوعا على إسلام القرآن والسنة وإجماع المسلمين.
- المفهوم الحقيقي للنهي في الإسلام
وفي السياق ذاته بين الإمام الطيب، أنه بالبناء على التفسير التعددى لمفهوم "النهي" يقرر الأصوليون أن صيغة النهى ترد للتحريم، كما جاء في قوله تعالى في كثير من المواضع: "ولا تقربوا الزنا"، "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"، "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن"، "ولا تمش في الأرض مرحا".
في نفس الوقت الذي ترد فيه للكراهة في مواضع أخرى كما في قوله تعالى: "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"، مشيرا إلى أن ما يلفت النظر فى باب "النهي" هو تقليل "المحرمات" في الإسلام، لأن صيغ "النهي" الواردة في الشريعة لا تستلزم "التحريم" بدلالة تلقائية، بل منها ما يستلزم التحريم، ومنها ما لا يستلزمه، وهذا ما تقرره القاعـدة العامة في التشريع من أن الأصل في الأشياء الإباحة.