بقيادة مغامر أفريقي.. رحلة ”تسلا” من الإفلاس للعالمية
قبيل نحو ثلاث سنوات، وتحديدًا في مطلع العام 2017 واجهت إمبراطورية الملياردير الأفريقي "إيلون ماسك" شبح الإفلاس نتيجة المصاعب الكبيرة التي واجهت شركته الشهيرة "تسلا"، بالتزامن مع طرح أحدث موديلات سياراتها الكهربائية الشهيرة آنذاك، مما دفع "ماسك" إلي الركض في سبيل التخلص من الشركة التي كانت قيمتها السوقية في ذلك الوقت لا تتجاوز عشر قيمتها الحالية.
ولعل إيلون ماسك لم يدر في خلده، حينما عرض على تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" إمكانية شراء شركته، أن قيمة تسلا السوقية ستكسر في غضون ثلاث سنوات حاجز ال 700 مليار دولار لتصبح قيمتها السوقية الأن أكبر من القيمة المجمعة لكبرى شركات السيارات في العالم وتصبح واحدة من أكبر عشر شركات على وجه الأرض من حيث القيمة السوقية.
لكن حسنًا فعل تيم كوك برفضه مناقشة إمكانية شراء شركة "تسلا"، أو بالأحرى رفضه مقابلة ماسك لمجرد مناقشة عرض الاستحواذ الذي لم يكن ليتجاوز 65 مليار دولار، ليصبح ماسك مدينًا لـ "غريمه" "كوك" بالشكر على ما فعله معه. فما الذي حدث لتتحول شركة تسلا من وحدة اقتصادية على شفا حفرة من النار إلى واحدة من أهم الشركات في العالم، والأسرع نموًا بالولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة المغامر "إيلون ماسك"؟
من هو إيلون ماسك؟
يعتبر إيلون ماسك أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل حول العالم بسبب شغفه بالمغامرة، وجرأته الشديدة التي اكتسبها منذ طفولته المبكرة رفقة شقيقه "كيمبال" وشقيقته "توسكا" في جنوب إفريقيا حيث ولد في العاصمة بريتوريا في الثامن والعشرين من شهر يونيو 1971، وذلك قبل أن ينتقل إلى كندا وهو في سن السابعة عشرة للدراسة في جامعة كوينز، هروبًا من الخدمة العسكرية الإلزامية في جنوب إفريقيا، ليحصل على الجنسية الكندية.
لم يمكث "ماسك" طويلا في كندا حيث انتقل بعد ثلاث سنوات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة إدارة الأعمال في جامعة بنسيلفانيا، ليتخرج فيها عقب حصوله على بكالوريوس في علوم الاقتصاد، وآخر في علوم الفيزياء، ليبدأ رحلته الصاخبة المثيرة، منذ أن قرر تأسيس شركته الناشئة "Zip2" في بداية التسعينيات، قبل أن ببيعها لصالح شركة كومباك للكمبيوتر مقابل 307 مليون دولار، ليصبح مليونيرًا وهو لايزال في منتصف عقده الثالث، وينجح بعد سنوات قليلة في تأسيس عدة شركات من بينها "سبيس أكس" و"تسلا".
تسلا موتورز
احتلت شركة "تسلا" صدارة المشهد لدى وسائل الإعلام في العالم خلال عام 2013 جنبًا إلى جنب مع رئيسها التنفيذي إيلون ماسك عندما أطلقت العنان لسيارتها الرائدة من طراز S، التي تعمل بالطاقة الكهربائية من خلال بطاريات ليثيوم لتحقق نجاحًا مقبولا في ذلك الوقت.
لكن قصة تلك الشركة بدأت قبل ذلك بنحو عشر سنوات، حينما تأسست عام 2003 على يد اثنين من المهندسين في وادي السليكون، هما مارتن إيبرهارد ومارك تاربينينج، اللذان أرادا إثبات أن السيارات الكهربائية يمكن أن تكون أفضل من السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين. وقاما بتأسيس الشركة واستقرا على تسميتها على اسم المخترع النمساوي نيكولا تسلا الذي اكتشف في القرن التاسع عشر خصائص تدوير المجالات الكهرومغناطيسية، ليتوصل لما بات يعرف بـ "التيار المتردد".
قبل هذا التاريخ بعامين كان إيبرهارد وتاربينينج، قد التقوا مع ايلون ماسك للمرة الأولى عندما كان يحاضر أمام جمعية المريخ في جامعة ستانفورد وقدموا له نفسيهما، وتطرقا لفكرة صناعة السيارات الكهربائية، التي أثارت انتباه ماسك، وتقاطعت مع رؤيته حول مستقبل صناعة السيارات في العالم.
وفي عام 2004 ، خاض مؤسسو الشركة جولات مكوكية من أجل الحصول على تمويل لمشروعهم الواعد ليظهر ايلون ماسك، الذي كان آنذاك أحد المساهمين في بنك PayPal، ويقرر ضخ 30 مليون دولار في الشركة ليصبح مساهمًا وعضوًا في مجلس إدارتها، فيما احتفظ إيبرهارد بمنصب المدير التنفيذي، بينما شغل تاربينينج منصب المدير المالي لها.
انطلاقة متعثرة للشركة
في السنوات ما بين 2004 و 2008، واصلت تسلا موتورز تعزيز نموها لتنجح في تطوير أول سيارة رياضية تحمل اسم "تسلا رودستر" التي تم طرحها عام 2008 لتعمل ببطارية ليثيوم تمكنها من السير لمسافة 400 كيلو مترا حال شحن البطارية بكامل طاقتها، لكن السيارة انتشرت بشكل محدود بسبب ارتفاع قيمتها السعرية (مائة ألف دولار)، ناهيك عن حاجة البطارية لنحو يوم إلى يومين لإعادة الشحن، وهي مدة طويلة جدًا قياسًا بالسيارات التي تعمل بالوقود.
تراكمت المشكلات أمام الشركة ليتقدم إيبرهارد باستقالته من منصبه في عام 2007 ليخلفه أحد أعضاء مجلس الإدارة لمدة عام قبل أن يتولى ايلون ماسك منصب رئيس مجلس الإدارة، لتبدأ الشركة رحلتها الجديدة مع قائدها المثير للجدل.
تصحيح الأوضاع
خلال عامه الأول على رأس الشركة، حرص ماسك علي إطلاق حملة لتصحيح أوضاع تسلا وقام بطرد 25% من موظفيها، ودخل في نزاع قضائي مع عدد منهم، إضافة إلى شريكيه القديمين، إيبرهارد وتاربيننج اللذان استسلما في نهاية المطاف بعد أن حمّلهم ايلون ماسك مسؤولية تعثر إطلاق سيارة "رودستر"، ليتركا له الشركة مرغمين.
لكن محاولات ماسك لإقالة الشركة من عثرتها كانت محبطة، وواجهت صعوبات كبيرة إلى أن قرر مجلس إدارتها طرح حصة من أسهمها في بورصة ناسداك في عام 2010 لتتمكن من جمع تمويل كبير ساعدها لاحقا على الانطلاق بشكل أسرع وتمكينها من طرح طراز S، وهي سيارة سيدان فاخرة وأنيقة يبدأ سعرها من 69000 دولار، وحصلت على درجة شبه مثالية في تقارير المستهلكين، التي اعتبرتها "أفضل سيارة تم اختبارها على الإطلاق" بعد نجاحها في تلافي الكثير من العقبات التي حالت دون نجاح الطراز الأقدم أو استئناف إنتاجه.
بحلول شهر سبتمبر من عام 2014، حققت السيارة الجديدة مبيعات قياسية في الولايات المتحدة حيث تم بيع 2500 نسخة منها، وفي الربع الأول من عام 2015 وصلت المبيعات إلى مستوى مرتفع جديد عند 10.030 سيارة. لتبلغ القيمة السوقية للشركة، اعتبارًا من 24 مايو 2015، نحو 31.3 مليار دولار أمريكي، وذلك بعد أن اقتحمت الشركة مجال إنتاج الطاقة الشمسية، لمد المنازل والشركات بالكهرباء.
ماسك يتعثر مجددًا
على الأرجح فإن النجاح الكاسح الذي حققته الشركة في وقت قياسي والذي منحها لقب شركة السيارات الأكبر قيمة في الولايات المتحدة متجاوزة جنرال موتورز قد أغرى أيلون ماسك للدخول في مغامرة جديدة حينما قرر خلال عام 2017 تغيير اسم الشركة الى Tesla Ins وإطلاق طراز جديد تحت اسم تسلا موديل 3، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فقد تعهدت الشركة بتسليم نحو 200000 سيارة في النصف الثاني من عام 2017 أي ما يوازي أربعة أضعاف ما أنتجته تسلا بالفعل من السيارة.
لم تتمكن الشركة من الوفاء بتلك الالتزامات ما دفع المستثمرين إلى التخلص من أسهم الشركة، وبحلول شهر يونيو من عام 2017 ، كانت الشركة قد فقدت أكثر من 5٪ من قيمتها في انهيار تصل قيمته لنحو 12 مليار دولار. وبعد ذلك بستة أشهر أنتجت تسلا جزء بسيط من المعدل الذي توقعته، وعلى مدى ثلاثة أشهر، تمكنت الشركة من إنهاء وشحن 2400 سيارة بعد أن وعدت المستهلكين والمستثمرين بإنتاج أكثر من 5000 سيارة في الأسبوع، ثم وجدت الشركة نفسها مضطرة لترحيل هذا الموعد إلى يونيو 2018، ليتفاقم وضع الشركة، وتصبح مهددة فعليًا بالخروج من السوق.
وقبل أيام اعترف ماس للمرة الأولى عبر حسابه الشخصي على منصة تويتر بأنه عرض على تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل شراء شركة تسلا لكن الأخير رفض أن يحدد له موعدًا لمقابلته، ويبدو أن ماسك رفع شعار "اخدم نفسك بنفسك" فقرر إعادة هيكلة الشركة تماما، وبحلول شهر إبريل من عام 2018 كان ماسك قد نحى رئيس القسم الهندسي، ليشرف عليه بنفسه، ويعود للمبيت بمصانع الشركة كأصغر عامل بها.
وفي غضون أشهر قليلة، كان ماسك قد قام بتسريح نحو 9% من القوة العاملة بالشركة، كما قام بإلغاء بعض الوظائف مزدوجة الأدوار لخفض التكاليف، لتنجح الشركة في تحقيق هدفها المتمثل في إنتاج 5000 سيارة من طراز 3 أسبوعيًا، بينما تم إنتاج 2000 سيارة أخرى من طراز S و Model X SUVs. ليرسل ماسك بريدًا إلكترونيًا داخليًا لموظفي الشركة يقول لهم: "لقد فعلناها!.. يا له من عمل لا يصدق من قبل فريق رائع".
والآن وبعد نحو ١٧ عامًا من إشهار الشركة، باتت "تسلا" مع حداثة عهدها تناطح شركات عملاقة تربو أعمارهم على المائة عام، وتتمكن من التفوق عليهم جميعا، لتضطر شركات بحجم جنيرال موتورز ومرسيدس وغيرهم من المضى في نفس الدرب الذي خاضته تسلا قبل نحو عقدين، عبر توسيع قاعدة إنتاج الشركات الكهربائية، بل أن شركة بحجم "أبل" استحوذت مؤخرا على إحدى الشركات الناشئة في مجال صناعة السيارات ذاتية القيادة.. فهل حقًا ندم "تيم كوك" على تجاهله لعرض "إيلون ماسك".