الاستثمار في المستقبل
معتز يكن محطة مصر
شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي مع التحسن الكبير في قدرة المخترعين والمبتكرين على تطوير التكنولوجيا لتقديم منتجات وخدمات جديدة وفي نفس الوقت زيادة إقبال المستخدمين على استخدام منصات التطبيقات التكنولوجية في مجالات شتى مرتبطة بحياتهم الشخصية والعملية مما أدى إلى تعاظم هيمنة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على النشاط الاقتصادي وتحوله إلى المصدر الأهم لبناء الأصول وتعظيم الثروات للأفراد والشركات.
وعلى الرغم من أن بداية هذا القرن قد شهدت ظاهرة انهيار أسعار أسهم قطاعات التكنولوجيا فيما عرف وقتها بـ (فقاعة الانترنت) إلا أن هذه الفقاعة كانت في حقيقتها انعكاس لحداثة العهد بشركات التكنولوجيا ولعدم اكتمال المعرفة أو قلة خبرة الأسواق بما تقدمه شركات التكنولوجيا وخاصة الشركات المرتبطة بالإنترنت مما أدى إلى حدوث مضاربات كثيرة على أسهم لشركات لا تمتلك قيمة اقتصادية حقيقية.
تغير الوضع الراهن تماما حيث تشير أحدث تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTADبشأن الاقتصاد الرقمي تشير إلى أن العقد الأخير قد شهد ازدياد القيمة الاقتصادية لشركات التكنولوجيا أو التي تعتمد على التكنولوجيا بدرجة أكبر كثيرا عن الشركات التقليدية، فعلى سبيل المثال: في عام ٢٠٠٩ ضمت قائمة أكبر ٢٠ شركة على مستوى العالم ٧ شركات تعمل في مجال البترول والغاز والتعدين تمثل حوالي ٣٦٪ من إجمالي القيمة السوقية للشركات في القائمة، بينما بلغ عدد الشركات التكنولوجية أو التي تعتمد على التكنولوجيا ٣ شركات فقط وبما يوازي ١٦٪ فقط من القيمة السوقية وبحلول عام ٢٠١٨ كانت الشركات التكنولوجية أو التي تعتمد على التكنولوجيا تمثل ٨ شركات بنصيب يتجاوز ٥٦٪ من القيمة السوقية لأكبر ٢٠ شركة، بينما تراجعت بشدة قيمة شركات البترول والغاز حيث ظلت في القائمة شركتين فقط بقيمة تمثل ٧٪ فقط من القيمة السوقية لأكبر ٢٠ شركة.
تعكس الأرقام السابقة التدهور الكبير في قيمة الاستثمارات في الأصول المادية لصالح الاستثمارات في الأصول المعنوية أو غير الملموسة والتي تشمل العلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية لبراءات الاختراع والابتكارات في التكنولوجيا الصناعية والهندسية والطبية والبرمجيات وغيرها من التقنيات التي تعمل على إحداث خلخلة Disruptionفي بنية الأعمال التقليدية بتقديم أنماط جديدة من طريقة تقديم الخدمات أو أداء الأعمال.
وقد لعب المبتكرون والمطورون في مجالات التكنولوجيا والمعلومات من أمثال ستيف جوبز ولاري بيج وبيل جيتس وغيرهم دورا محوريا في تغيير أنماط معيشة البشر ونمو قدراتهم المعرفية من خلال إسهاماتهم فى الإبداع والابتكار التكنولوجي وحيث أصبحت المعلومات والمعرفة هي الأصول الاقتصادية الأكثر أهمية والأعلى قيمة بشكل يؤكد أكثر من ذي قبل على دقة ما نقل عن الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون مقولته "المعرفة في حد ذاتها هي القوة"، وهي مقولة تختصر الكثير من الشرح اللازم لتوضيح أهمية امتلاك المعرفة، وحيث أن العقل البشري هو مصدر الإبداع والابتكار اللازمين لإنتاج المعرفة تصبح الموارد البشرية هي المورد الأهم اقتصاديا في ظل النمو المتزايد للاقتصاد الرقمي.
بذلك يكون من اللازم التحرك على أكثر من محور لانتهاج السياسات التي من شأنها إحداث طفرة في مجال الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا والعلم والمعرفة وذلك على النحو التالي:
أولا: لابد أن تضع الدولة الاستثمار الخاص في المجال التعليمي بكل أنواعهعلى رأسالأولويات في المرحلة القادمة مع تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المدارسالتي تعتمد منظومة التعليم والابتكار بصفة خاصة بحيث تصبح داعمة للمناهج الدراسية التي تركز على مجالات العلوم والتكنولوجيات والهندسة والرياضيات فيما يعرف بنظام STEM، ومعاملة الاستثمارات في هذا المجال معاملة تفضيلية بعيدة عن التعقيدات خاصة وأن قانون مشاركة الحكومة مع القطاع الخاص PPP في مصر يعد من العوامل التي ممكن أن تدعم هذا المجال.
ثانيا: الحد من هجرة العقول المصرية إلى الخارج حيث تعاني مصر من اتجاه الشباب من الكوادر العلمية إلى السفر للخارج بحثا عن مزايا أفضل من خلال العمل، الواجب أن يتم تقديم حوافز مالية ومادية مناسبة للكوادر العلمية بما يتناسب مع مهاراتهم العملية ومؤهلاتهم مع العمل زيادة الاستثمارات الحكوميةفي توفير إمكانيات البحث العلمي الملائمة للأكاديميين.
ثالثا: تفعيل قانون ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ بشأن حوافز المشروعات الصغيرة والمتوسطة على النحو الذي يشجع على مساندة ودعم المشروعات الابتكارية مع وضع نظم تنفيذية كفيلة بتصنيف المشروعات وفقا وزيادة الحوافز وفقا لدرجة مساهمتها في الإضافة إلى رصيد البحث العلمي والابتكارات.
رابعا: زيادة حجم البرامج الحكومية الداعمة للابتكار على غرار صندوق دعم الابتكارمع العمل على استحداث بدائل مختلفة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التكنولوجيا والمعرفة بما يدعم جهود التحول نحو الاقتصاد الرقمي.
خامسا: إطلاق حوار مجتمعي جاد لتوعية المواطنين جميعا بالتحديات المتعلقة بالتحول نحو الاقتصاد الرقمي الذي سوف يغير من طبيعة الاقتصاد العالمي والمصري وضرورة التركيز بشكل أكبر على تغيير نظام التعليم ومخرجاته لتخريج كوادر بشرية تستطيع امتلاك أدوات العصر.