حكاية الجرانيتا الإسكندراني.. صنعها شاب طموح بداية القرن الـ20
نيرمين حسين محطة مصر
الشغف والطموح كانا الدافعين الأساسيين وراء حلم شاب إسكندراني، منذ بداية القرن العشرين، لصنع نوع جديد من الأيس كريم عاش لما يقرب من 100 عام.
بدأت حكاية الأيس كريم العجيب والذي عُرف باسم "الجرانيتا"، على يد الشاب مهدي الإسكندراني الذي ولد في عام 1910، وبدأ حياته بالعمل عند خواجة إيطالي في محل أيس كريم في بحري، وأحب الصنعة وأصبح من الأفضل فيها، الأمر الذي جعل الخواجة الإيطالي يعتمد عليه واعتبره مثل ابنه، وبعدها بفترة قصيرة قرر الشاب أن يستقل ويكون عنده عمل خاص به.
اقرأ أيضاً
- عدد خاص من مجلة ”ذاكرة مصر” عن نهر النيل
- ”الإسكندرية السينمائي” يهدي دورته الـ37 للمخرج علي بدرخان
- قصة خطاب البابا تواضروس الثاني لـ”قصور الثقافة”: بالتفاصيل
- وزارة التموين : الهدف من الحملات هو ضمان وصول الدعم لمستحقيه
- ضبط 70 طن فول صويا وعلق دواجن وأسماك فاسدين في الاسكندرية
- الأمن يكشف لغز فتاة أبنوب المتغيبة عن منزلها
- ضبط نصاب متهم بالنصب على راغبي الوظائف الحكومية
- فرقة الاوبرا واوركسترا الوتريات بقيادة نسائية على مسرح سيد درويش
- تفاصيل ضبط عصابة سرقة رواد البنوك في الأسكندرية
- ”حكايات الصياد و أمير البحار” على ”بيرم التونسى”الخميس
- انقطاع المياه في هذه المناطق بالإسكندرية
- الخميس..”حكايات الصياد وأمير البحار” على مسرح بيرم التونسي بالإسكندرية
وتوجه مهدي للخواجة لكي يستأذنه ويخبره أنه يرغب في الاستقلال عنه، وبالفعل اتفق الخواجة معه على أن يعطيه الأيس كريم يبيعه وفي آخر اليوم يعيد إليه إيراد اليوم، ويأخذ مهدي مكسبه.
وبهذه الطريقة نجح مهدي في ادخار مبلغ مالي ساعده في الحصول على مكان خاص به، وكان عبارة عن "كشك" خشب، فى منطقة هادئة وراقية وبعيدة، في جليم بجوار فندق كبير خمس أدوار.
واضطر مهدي إلى الكشك الخشبي، لانه لم يتمكن وقتها من تأجير محل، لأن المنطقة كانت بأكملها سرايات لعائلة محمد على وبشوات وأميرات، وكان ممنوع أن يكون بها أي نشاط تجاري.
وقرر مهدي عمل نوع جديد من الأيس كريم، لأن "الجيلاتي" وقتها كان حليب أو شوكولاتة، وحاول بالفعل عمل أيس كريم ليمون، أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يفشل، وفي النهاية نجح في عمل اختراع يشبه الجيلاتي لكنه ليس جيلاتي، وبدأ يبيع اختراع في المحل مرة يقول عليها جيلاتي ومرة يقول "دندرمة"، إلا أن زبائنه كانوا فرحين بهذا الاختراع.
وفى مرة جاء اليه اليونانى جليمو نوبولو، الذى كان يشغل منصب عضوية ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺒﻠﺪى ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ الإسكندرية، وكانت والده يونانى وأمه إيطالية، وقال له أنها تسمى "جرانيتا" ومعروفة جدا فى إيطاليا وكان يتناولها عند ذهابه لوالدته.
واستقر مهدي فى كشك خشبى صغير بمنطقة الرمل وهى المنطقة التى تم تقسيمها إلى أحياء بعد ذلك، وكان بالقرب من الفندق الذى يقيم فيه الملك فاروق وهو عبارة عن 5 طوابق وكان يعُد من أعلى مبانى الإسكندرية فى ذلك الوقت، وكان الملك فى الاستراحة وشاهده من بلكونة الفندق وحوله الكثير من الناس، فنزل ليستطلع الأمر، خاصة وأن هذه المنطقة كان ممنوع فيها ممارسة أى أنشطة تجارية، لأنها تحتوى على العديد من القصور ومنازل الأسرة العلوية، فاشترى منه وأعطاه جنيها ذهبيا وكاد ان يغمي على مهدي من شدة الفرحة، وركب الملك سيارته البيضاء التى قادها بنفسه، ولم يدرك مهدي أن من اشترى منه هو الملك نفسه إلا عندما رأى الناس يصفقون له ويحيونه بحرارة شديدة، ولم يكن يعرفه لانه لا يعرف القراءة ولا الكتابة ،وكانت وسائل التواصل غير متاحة فى هذا الوقت عام 1938 وهى نفس فترة بداية حكمه، وعندما عرف بهويته صدم صدمة شديدة .
وبعد فترة من الوقت وتوسعة نشاط مهدي وإذاعة صيته وسط الأسرة المالكة، طلبت زوجة كبير الياوران للملك السابق فؤاد آنذاك من مهدي أن يبحث عن مكان ثابت بديلا عن الكشك الخشبى ، فقال لها أن الأنشطة التجارية ممنوعة فى هذه المنطقة، فقالت له واللى يساعدك، قال لها: "أخد المحل من بكرة" وبالفعل بعدها بفترة طويلة ساعدته فى الحصول على محل من 3 جراجات للسيارات فى الفيلا الخاصة بهم التى تقع على محطة ترام جليم، وبعلاقة كبير الياوران بالأسرة المالكة تم ترخيص المحل ليكون أول ترخيص لممارسة الأنشطة التجارية فى هذه المنطقة الراقية ويكون فاتحة خير ومصدر رزق لآخرين من بعده .
لكن طموحه كان أكبر من ذلك وكان يريد الحصول على محل على البحر، وبالفعل بحث عن مكان يكون قريبا من البحر حتى نجح فى الحصول على المحل الحالى وكان فى عقار تمتلكه سيدة إيطالية تدعى مارى واستنباطى فى عام 1948.
وبدأت حركة البيع فى الزيادة وقررمهدي التوسع وإنشاء فروع جديدة أخرى بالأماكن والمنتجعات السياحية المشهورة فى الإسكندرية ومصر بأكملها فى ذلك الوقت، مثل شاطئ المعمورة مع بدايات ازدهار المعمورة كأول منتجع سياحى فى مصر على شاطئ البحر الأبيض المتوسط فى مصر وذلك بداية من 1970 تقريبا، وبالفعل أنشأ فرعه الجديد أمام المعمورة بالاس، وبدأت شهرته تسمع فى كل مكان حتى صار أكبر تجمع شباب فى المنتجع الجديد وانتشار كبير أيضا للجرانيتا،
وكان من زوار محل مهدي الرئيس الراحل أنور السادات بسيارته "الفولكس بيتلز" ذات اللون اللبنى ورقمها " 5555" وعدد من نجوم الفن منهم المطرب فريد الأطرش والفنان عماد حمدى وزوجته فى ذلك الوقت الفنانة شادية.
وأصبح محل مهدي مكانا مفضلا لبعض الفنانين والمشاهير منهم الفنان عزت أبو عوف و"فرقة 4m" والفنانتبن الشقيقتان دينا وإيناس عبد الله، نوال أبو الفتوح وعمر خورشيد، وأيضا النجمة نجلاء فتحى التى كانت كثيرة التردد على محل مهدى، بالإضافة إلى عائلة الرئيس الراحل أنور السادات وعدد من حركة الضباط الأحرار ومن مجلس قيادة الثورة ونجوم المجتمع، ليقرر بعدها مهدى إنشاء فرعين آخرين فى المعمورة، ليزداد شهرة وتوسع مهدى حتى توفى يوم 11 ديسمبر 1986، ليبدأ بعدها انشغال الجميع بالفرع الأصلى فى جليم وانتهت ببيع محلات المعمورة عام 1996.