فيلم «ريش» رمزية الفن أم الواقعية التسجيلية؟
أ.د/ جودة مبروك محمد محطة مصريلعب الجدل في الربط بين رمزية الفن والحياة دورًا كبيرًا في تقييم بعض نتاجنا الثقافي عبر العصور، وما حدث بشأن فيلم ((ريش)) ليس جديدًا، لا من حيث الإبداع الفني ولا من حيث النقد الذي وُجِّهَ إليه، فعندما يتم عرض مثل هذه الأفلام خارج البلاد فإنها قد تعطي دلالة سلبيةً، بأنها تلقي الضوء على العشوائيات، وتترك مواطن الفخر والمنجزات الكبيرة، في زمنٍ تحاول فيه مصر القضاء على هذه الظاهرة مهما كان يحتاج ذلك من أموال طائلة، والقفز نحو تحقيق مستوى معيشي متميز للمواطنين، كما أنه هناك مبادرات مثل ((حياة كريمة)) لدعم الطبقات الكادحة، غير أن هذه الظاهرة لا تنفرد بها مصر –إن وجدت بهذه الصورة التي رأيناها- عن غيرها من بلدان العالم، حتى المتقدم اقتصاديًّا، فالطبقية المجتمعية أمر والعشوائيات أمر يميز أغلب الأماكن في العالم.
بعض الأعمال قد تعرِّي الواقع، إلى درجة المغالاة، لتمكين المتلقي من التفاعل والمشاهدة وأخذه بقوة نحو معايشة الواقع، وهذا ما أحدثه فيلم ((ريش))، تعقب شخصيات مهمشة في المجتمع، وأزاح عنها الستار، حتى منح المشاهد الاعتقاد بأنه فيلم تسجيلي أو مجموعة أفلام مركبة من هذا النوع، لكن الجدال الدائر بين جموع المشاهدين للعمل بين من ينظر إلى العمل على أنه محاولة لتشويه صورة مصر بهذا الكشف عن تلك الأسرة البائسة، في زمنٍ تعمل فيه إدارة البلاد على التخلص من العشوائيات، بأكثر من وجهة، ببناءات ووظائف ودعم وغيره، ووجهة أخرى تعطي الفن الحق في التعبير عن ملامح الواقع وتجريده، وأن ما عرضه الفيلم نموذج موجود في المجتمع لم تطله يد الإصلاح بعدُ أو أن العمل يصور حالة بائسة في زمانٍ آخر، ليس بالضرورة هي التي نعيشها.
وبعيدًا عن هذا وذاك، لا بدّ من معالجة الفكرة والرؤية الفنية بفن وخطاب ثقافي، يتجرد من العاطفة والإسقاطات وهو ما كان داعيًا للعمل حتى يصل إلى العالمية، فنحن على اعتقاد أنها ليست من فراغ، وإن خالفناه في المضمون، لكن الإضاءات الفنية بكل تأكيد قد برع فيها فريق العمل.
اقرأ أيضاً
- غدا.. ”نجوم على لايف” يستضيف عميد كلية الآداب الأسبق
- لقاء الخميسي ونضال الشافعي يحققان حلم ميرنا الفقي
- نسرين طافش تتعاقد على عمل فني جديد
- ويجز يقترب من 2 مليون مشاهدة بكليب”كيفي كده”
- خاص| سمير كمونة: رحيل أشرف بن شرق سيؤثر بالسلب على الزمالك
- خاص| سمير كمونة: الزمالك منافس قوي على جميع البطولات
- خاص| سمير كمونة: عدم تركيز موسيماني سبب أداء الأهلي السيئ
- مؤلفة ”على الهامش”: توقعت تصدر مسلسلي للتريند
- خاص| سمير كمونة عن فوز منتخب مصر على ليبيا: هما دول أسياد أفريقيا
- عاجل | مصرع وإصابة 14 شخصًا في حادث تصادم مروع بالعاصمة الإدارية
- ميرفت أمين تظهر في أحدث أعمالها الدرامية خلال أيام
- أحمد حاتم ضيفاً في برنامج «its show time»
اللافت للنظر في إطلاق اسم العمل ((ريش))، وهو محور ارتكاز تُبْنَى عليه الأحداث، وتنطلق المواقف للشخصيات، فالريش ينطلق من مجرد الريش المتطاير من ((الدجاجة)) وهي إحدى شخوص الفيلم بعد التحوّلِ للزوج، إلى كونه شيئًا لا قيمة له يُرْمَزُ للتهميش في المجتمع، فالريش لا قيمة له يحملها، في مقابل شخوص القصة المهمشين، يتجلى في عمل الزوجة وعمل الطفل الصغير، وفي شكل المنزل وأثاثه العَفِن المهلهل والممارسة غير المتمدينة أو المتحضرة للشخصيات، وصلت إلى ((فوضى الفقر))، تلك رؤية يطرحها العمل في البدء.
يصحب العمل رؤية أسطورية من صدى الذاكرة الشعبية في قدرة الساحر على صناعة التحول للزوج حتى يصبح دجاجة دون قدرته على رده على صورته الأولى مرة ثانية، وبديلاً عن كونه العائل للأسرة، تكون الدجاجة عبئًا في مأكلها ومشربها وعلاجها وتعرضها لمخاطر.
والشيء اللافت للنظر والراعي للانتباه في رصد أسباب التحول في مسيرة الأحداث الدرامية، فنرى أن العمل يقدم شيئًا جديدًا هنا وهو بروز الموقف والسياق بدور البطولة للقصة، ساعد على ذلك عدم اختيار من يجسد الشخصيات من المعروفين، فالتحول هو الذي يأخذ بالزوجة نحو المعايشة لأحداث الحياة حتى السقوط أو الاقتراب منه على يد صديق الزوج بإغراءاته المادية والجسدية. لكن السؤال المطروح في وجهة النظر في عنصر الأسطورة في القصة، ولماذا اختار التحول إلى الدجاجة، لكن يبدو أنها إشارةإلى انعدام القيمة المجتمعية للشخصية أو نظرة المجتمع إليها، فهي لا شيء، أو قل هي ريش، بدليل أن الزوجة ذبحت تلك الدجاجة في النهاية وألقت بريشها.
ويأتي الحوار المكثَّف الذي لا يعبر عنه باللغة فقط، وإنما بالصورة أحيانًا وبعض الأغاني والموسيقى بداية من العمل انتهاء بأغنية عن الأمل في صباح جديد، فالحوار جمله قصيرة، وهو أقرب إلى التلقائية كما يتحدث الناس، وبعض المشاهد صامتة، وساكنة بلا حركة، إشارةً إلى أن الحياة لا تنمو مع هذه الشخصيات، بل هي ثابتة على مشاكلهم، وتظهر الزوجة في المشاهد في وقفة انكسار دائمةٍ، تعبيرًا عن الفقد والعدم والحاجة، وتفاعل عناصر الصورة تدهشنا ببعض المناظر، ففي سرقتها اللحم من المنزل الذي تعمل فيه ويتعرف كلب الحراسة على جريمتها، وتطرد بسبب ذلك من العمل إلا أن الكلب في أثناء ((التفتيش)) يأكل اللحم المسروق، فكأنه أولى بالأكل من الإنسان، وقبله تبدو ((السرجنة)) في سحب عينة الدم بشكل فيه قبح وكآبة، في التأكد من سلامتها من الأمراض المعدية.
أما عن تقنية التصوير والموسيقى فأظن أنها ارتكزت على الحدث والموقف الذي يمثل الواقع المجرد أكثر من الإضاءة، بل ربما تشعر أنه لا توجد إضاءة من أصله، وبل وكأن التصوير تم من زاوية واحدة في أغلب الفيلم، وهذا امتثال لتصوير الواقع كما هو بدون إضافات عليه وللوصول إلى الصدق الفني في التعبير، وتنعدم الموسيقى التصويرية في ظلِّ كآبة الحياة التي لا تحتمل أكثر من ذلك لإبرازها، فتكاملت جميع مكونات العمل لتشكل في النهاية الرؤية التي يريدها العقل الجمعيّ للفيلم.
ولا شكَّ أننا أمام عمل فنيٍّ مختلف عما عهدناه، يركز على فكرته وهي التهميش، ولا يمتد إلى الإغراء الجسدي، بلاغة الحوار أو حماسة موسيقى التصوير.
قد نختلف مع رؤية فريق العمل في التعبير عن المهمشين في العصر الحالي في مصر في ظل نمو اقتصادي وحياة كريمة وتقليص الفجوة الاجتماعية، وقد نضطر أسفين إلى القول بأن صورتنا في الخارج لا ينبغي أن تكون على هذه الحال، وأننا نمتلك الكثير من عناصر الرفاهية والرقي والحضارة والنماء.
كل ذلك مشروع، ولنا الحق فيه، لكن جملة ما قدمه العمل هو فنّ، اختلط بالأسطورة أحيانًا، وقد أمعن في التعبير عن نموذج لأسرة مهمشة في خضم الفقر والعَوَز، ليس لزامًا أنها تعيش بيننا، وليس ذنبه -بل يكفيه- أنه حصل على جائز في المهرجان العالمي ((كان))، لم يحصل عليه أي عمل لدينا، أما عن قصده فذلك في عالم الغيب والنيات التي لا مقام لنا للدراية بها، لكن قد يصل الأمر بنا إلى التعرف على أهمية ما تنتجه الأيادي المصرية الآن في الانتقال والتحول للتخلص من العشوائيات ومد يد العون للمهمشين، وهو ما ينبغي التأكيد عليه، إما عن طريق الفن أو القنوات الإبداعية الأخرى.
فما قدمه العمل ليس صورة لأحد في مصر، ولا ينبغي أن نظن أنه نموذج يعيش بيننا -على الأقل الآن- وإنما هو فنٌّ، يكمن منتهى صدقه في كثرة كذبه.