مظاهرات السودان.. ماذا بعد انقسام الشارع حول الحكم المدني والعسكري؟
محمود الصادق محطة مصريخضع السودان إلى حكم حكومة مدنية - عسكرية مؤقتة منذ عام 2019، بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، وفي تصاعد للأحداث التي يشهدها السودان منذ الإطاحة بحكم الرئيس الملخلوع عمر البشير، وبعد أن هدأت الأحداث في الشارع السوداني لفترة مؤقتة، أعاد الخلاف بين الحكومة المدنية والعسكرية في مجلس السيادة الانتقالي الذي يدير البلاد بشكل مؤقت، الصراع مجددًا.
مظاهرات السودان
وخرج آلاف المواطنين إلى شوارع العاصمة السودانية، الخميس الماضي، مطالبين بحكومة مدنية بالكامل، وتزايدت أعداد المتظاهرون في مسيرات منفصلة.
وأكد منظمو الاحتجاجات، أن قوات الأمن هاجمت مجموعة من المتظاهرين قرب مقر البرلمان، إلا أن بيانًا للشرطة السودانية أكد أن بعض المتظاهرين خرجوا من المسيرة السلمية وهاجموا قوات الأمن، مما أدى إلى إصابة عناصر الشرطة، من بينهم اثنان أصيبا بجروح ناجمة عن أعيرة نارية.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، في بيان له، إلى مسيرات كبرى على مستوى البلاد الخميس: "دعونا نطلق باحتجاجاتنا موجة جديدة من الانتفاضة الشعبية التي من شأنها أن تمهد الطريق لحكم مدني وديمقراطي كامل".
وذكر تجمع المهنيين السودانيين، أن قوات الأمن هاجمت محتجين قرب مقر البرلمان، ولم يشر إلى طبيعة الهجوم، مطالبًا المحتجين بالتزام السلمية، وعدم الانسحاب من الشوارع في الوقت نفسه حتى يتم تسليم السلطة.
خلافات المجلس الانتقالي
ارتفعت حدة التوترات بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، منذ أن قالت السلطات المؤقتة في السودان إنها أحبطت محاولة انقلاب داخل الجيش الشهر الماضي، وألقى مسؤولون باللوم على أنصار البشير في هذه الخطوة، وهو وأثار مخاوف بين المدنيين.
وقال الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الحاكم، إن حل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يمكن أن يحل الأزمة السياسية الحالية.
فيما خاطب حمدوك، الشعب السوداني، بوضع سلسلة من الإجراءات التي قال إنها سوف تساعد في تسريع تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة بالكامل.
وتضمنت الإجراءات دعوات متكررة إلى مجموعات ذات آراء مختلفة للعمل معا، واحترام الدستور الانتقالي للبلاد، واحترام الهيئات القضائية.
وأشاد حمدوك، بالحراك السلمي للمتظاهرين وشكر الشرطة التي قامت بتأمين المسيرات.
اجتماع حمدوك والبرهان
وعقد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك اجتماعاً مع المكون العسكري، التي يترأسها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، أمس الجمعة.
وقال مصدر لوكالة أنباء "الشرق الأوسط"، إن المكون العسكري قدم دعوة لرئيس الوزراء للاجتماع أول من أمس الخميس، لكنه اعتذر عن حضور ذلك الاجتماع، باعتبار أن الوقت غير مناسب.
وأضاف المصدر، أن الاجتماع عقد أمس الجمعة، وتناول الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وما قد يترتب على المواكب المليونية التي تشهدها، والتي نادت بوضوح بتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين في الوقت المحدد له بحسب الوثيقة الدستورية.
استمرا الاعتصامات
فيما تواصل الاعتصام الذي نظمته مجموعة منشقة عن الحرية والتغيير بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، طالبا خلاله بحل الحكومة الانتقالية وحل لجنة تفكيك النظام السابق، وتكوين حكومة كفاءات مستقلة، مع الإبقاء على مناصب ممثلي المجموعة في الحكومة.
وأدى الآلاف من المحتجين، صلاة الجمعة في الاعتصام الذي يشارك فيه عدد من مؤيدي نظام الرئيس المعزول عمر البشير، إضافة إلى المتضررين من سقوطه، ومجموعات قبلية وأهلية، ودرج منظموه على مخاطبة المعتصمين من منصة موضوعة قبالة بوابة القصر الرئاسي، ويرددون أن الاعتصام لن يفض إلا بعد حل الحكومة، ويناشدون رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بحل الحكومة، دون أن يملك سلطات دستورية تخوله بذلك.
سيناريوهات لحل الأزمة
من جانبه يرى الخبير الاستراتيجي محمد حسين أبو صالح، أن الحل السياسي لما يدور من أزمات في السودان يبدأ بإعادة تشكيل عضوية المجلس السيادي، على أن يكون بجانب عضوية العسكريين خبراء ومهنيون وطنيون مشهود لهم بالكفاءة والخلق الكريم، يمثلون بشكل عادل من أقاليم السودان المختلفة، وبما يعالج بعض القصور الموجود في اتفاق سلام جوبا، وأن تقوم حكومة جديدة من خبراء وطنيين، بتنفيذ خطة ومهمات محددة.
ويضيف الخبير الاستراتيجي، أنه يجب أن تلتزم السلطة الجديدة ببرنامج وطني محايد خالٍ من الميول الحزبية، وخطاب سياسي حكيم راشد يمنع الاستقطاب، يوحّد الوجدان والمشاعر الوطنية، ويعيد الأمل ويحشد الإرادة والتحدي الوطنيين. ويؤسس كذلك لممارسة سياسية تخدم وتصون المصالح الوطنية وكرامة الإنسان السوداني، وممارسة سياسية ترتكز على العدل والاخلاق والمعرفة والإبداع.
ويتابع أبو صالح: "لا بد من الالتزام باتفاق سلام جوبا والعمل على معالجة القصور إلى حين التأسيس للحل الشامل عبر منصة الحوار السوداني وإنتاج الرؤية الوطنية. وكذلك التوجه نحو الداخل لحشد الطاقات بغرض الانتاج، وتعزيز القدرة التفاوضية الوطنية المطلوبة لتحقيق تعاون خارجي عادل".
ويشدد الخبير الاستراتيجي، على ضرورة العمل على تنظيم الحوار السوداني - السوداني الشامل، الشفاف والحر حول كل قضايا الدولة وقضايا الأقاليم كافة، حوار يتناول جذور المشكلات، ينطلق من تحليل استراتيجي عميق، واستكتاب الخبراء ودراسة تجارب الآخرين، وإتمام عمليات مشورة وطنية للشعب السوداني عبر الدراسات الميدانية والاستفتاء، وإجراء مشورات علمية مع خبراء وعلماء السودان، حتى نتوصل لرؤية سودانية كخطة للدولة بكل ما فيها من تنوع وثراء، ورؤية تعبر عن الوجدان الوطني وعن تطلعات كل ولايات السودان وتراعي حقوق الأجيال القادمة، على أن تُقر عبر البرلمان المنتخب والاستفتاء العام للشعب السوداني تعزيزاً للإرادة السودانية.