”محطة مصر” يرصد مخاوف القطاع الصحي مع استمرار صفقات استحواذ الأجانب
ياسمين محمد محطة مصرفتحت صفقة استحواذ مجموعة مستشفيات كليوباترا على كامل أسهم مجموعة "ألاميدا" للرعاية الصحية في مصر بابا من الجدل حول طبيعة هذا الاتفاق، الذي يعتقد مراقبون أنه يحمل شبهة "الممارسة الاحتكارية" التي قد تضر بتنافسية سوق الرعاية الطبية وتخلق كيانًا احتكاريًا وهو الأمر الذي عززه رفض جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية للصفقة.
توقعات زيادة الطلب
خلال السنوات العشر الأخيرة وتحديدًا منذ عام 2013 شهد قطاع الرعاية الصحية إقبالًا كبيرا من شركات وصناديق خليجية وعالمية للاستحواذ على كيانات ومنشآت طبية قائمة، لأسباب تتعلق بفرص النمو الهائلة والمربحة في هذا القطاع الحيوي.
وبحسب تقرير صادر عن شركة كوليرز إنترناشونال للخدمات العقارية وإدارة الاستثمار، فإن قطاع الرعاية الصحية في مصر يحتاج إلى استثمارات تتراوح بين 34 إلي 60 مليار دولار بحلول 2050 لتلبية الطلب الناتج عن الزيادة السكانية المتوقعة.
منافسة أجنبية شرسة
قبل نحو عشر سنوات اقتحمت الشركات الخليجية لاسيما الإماراتية والسعودية السوق المحلي بحزمة من صفقات الاستحواذ على كيانات مصرية، لتفرض واقعًا جديدًا على سوق الرعاية الصحية في مصر.
البداية كانت عام في ٢٠٠٨ مع دخول مجموعة أبراج الإماراتية – أحد أكبر صناديق الاستثمار في الأسواق الناشئة- للسوق المصري، والاستحواذ على حصص شركات مصرية، مثل سلسلة معامل البرج في صفقة بلغت قيمتها 773.3 مليون جنيه.
وفي غضون أربع سنوات من هذا التاريخ كانت المجموعة قد أحكمت قبضتها على نشاط معامل التحاليل فى مصر باستحواذها على سلسلة معامل المختبر في صفقة بلغت 1.27 مليار جنيه، ليتم دمج أكبر علامتين تجاريتين في مجال التحاليل الطبية في مصر ضمن كيان جديد باسم شركة التشخيص المتكاملة القابضة.
وفي بداية عام 2014، أعلنت أبراج عن تأسيس مجموعة كليوباترا لتصبح ذراعها في مجال الرعاية الصحية في مصر، وفي يوليو من العام نفسه، استحوذت المجموعة على 52.7% من أسهم مستشفى القاهرة التخصصي مقابل 106 مليون جنيه، وبنهاية العام نفسه كانت المجموعة قد استحوذت على كامل أسهم مستشفى كليوباترا في صفقة بلغت 770 مليون جنيه.
ولم يكد يمر عام حتى أعلنت مجموعة أبراج الإماراتية عن استحواذها على كامل أسهم مستشفى النيل بدراوي، في صفقة تقدر قيمتها ب 800 مليون جنيه، ومن بعدها مستشفى الشروق.
لم تكتف المجموعة الإماراتية بما حققته خلال عشر سنوات، بل سعت في يناير 2018، للاستحواذ على أسهم مستشفى النزهة المتداولة في البورصة المصرية، لكن الصفقة تعثرت بعد أن رفضتها الهيئة العامة للرقابة المالية.
لكن هذا الرفض لم يثن المجموعة عن المضي في خطتها التوسعية، لتعلن فى ديسمبر 2018 استحواذها على الأصول العقارية لمستشفى الكاتب في الدقي، مقابل 279 مليون جنيه، ثم أتمت الاستحواذ على مستشفى "كوينز" للولادة والأطفال يونيو 2019، وبعد عام ونيف قامت المجموعة بالاستحواذ على ٦٠٪ من مستشفى بداية للخصوبة وأطفال الأنابيب.
وقبل أن ينتهي عام 2020 نفذت المجموعة أكبر صفقة استحواذ في قطاع الرعاية الصحية في مصر، وأعلنت مستشفيات كليوباترا توقيع اتفاق يضمن الاستحواذ على كامل أسهم مجموعة "ألاميدا" التي تضم تحتها مجموعة مستشفيات كبيرة مثل السلام الدولي في المعادي، دار الفؤاد بفرعيها في مدينة السادس من أكتوبر ومدينة نصر، ومستشفى السلام الدولي في القطامية بالقاهرة الجديدة.
لم تترك الشركات السعودية الساحة خالية للمجموعة الإماراتية، ففي أكتوبر من العام 2017، استحوذت مجموعة علاج الطبية السعودية على 74% من أسهم شركة معامل كايرو لاب للتحاليل الطبية، في صفقة بلغت قيمتها 36 مليون جنيه.
ثم اتبعتها بالاستحواذ على 15% من مستشفي العيون الدولي، ثم أعلنت مطلع العام الجاري عن الاستحواذ على مستشفى ابن سينا في الدقي، والإسكندرية الدولي، والأمل بالمهندسين، كما كشفت النقاب عن خطط لتأسيس عدد من المستشفيات منها المشرق، العروبة، فاروس بالإسكندرية، العقاد بأسيوط، لينضموا لعدد أخر من المستشفيات التي بدأت الشركة في الاستحواذ عليها بدءًا من عام 2018 ومن بينها حصة الأغلبية في شركة مستشفى كايرو كلينك للأطفال، التي باتت ثامن مستشفيات المجموعة في مصر، و 75% من معامل تكنوسكان للأشعة.
وبشكل عام فإن هناك أكثر من مؤسسة طبية سعودية تعمل في مصر مثل مجموعة مستشفيات السعودي الألماني، وأندلسية الطبية السعودية، شركة أترابا القابضة السعودية.
"منع الاحتكار" وعجز الدولة
استشعر جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، ثمة تحركات غير نمطية تتعلق بالمساعي الحثيثة صوب تملك خدمات الرعاية الصحية بشكل غير معتاد، وحذر وزارة الصحة من تمرير صفقة الاستحواذ الكبرى التي نفذتها مجموعة أبراج الإماراتية مؤخرا، وأعلن اعتراضه المبدئي على إتمام تلك الصفقة وأصدر تقريرًا رسميًا أفصح فيه عن تشككه بشأن الآثار المحتمل حدوثها في حال استحواذ مجموعة مستشفيات كليوباترا على مجموعة مستشفيات ألاميدا، نظرا لكونها ستخلق كيانًا احتكاريًا في سوق الرعاية الصحية من خلال تعزيز هيمنة شركة كليوباترا على مستشفيات الدرجة الأولى والثانية في نطاق 80 كيلو متر مربع أو نطاق محافظتي القاهرة والجيزة، الأمر الذى قد يؤدى لرفع أسعار الخدمات الطبية وانخفاض جودتها وإضعاف فرص الاستثمار المحتملة أو المرجوة في هذا القطاع، ورفع أسعار الخدمات الطبية المقدمة للدولة بالنظر إلى إمكانية مشاركة مستشفيات القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي الشامل وخدمات الطوارئ الإلزامية.
خلل تشريعي
أزاحت حركة الاستحواذات المتتالية على قطاع الخدمات الصحية الستار عن اختلال واضح في موازين القوى، بفضل التشريعات التي كفت يد جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية عن وقف كل ما من شأنه الإضرار بعدالة المنافسة، وذلك بحسب مراقبون اعتبروا سلطة الجهاز منقوصة، وغير قادرة على مراقبة مثل تلك الصفقات، بعد أن سمح القانون للجهاز بالحق في الاطلاع على بيانات الصفقات وإبداء الرأي دون سلطة إصدار قرارات نافذة.
وعلى الرغم من أن التعديلات الأخيرة التي أقرها مجلس الوزراء في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي، على قانون رقم 3 لسنة 2005، التي منحت للجهاز سلطة المراقبة المسبقة على صفقات الاندماج والاستحواذ، بل وضرورة الحصول على موافقة الجهاز عليها قبل إتمامها، مع أحقيته في وقف إتمام تلك الصفقات اذا نتج عنها وضع مسيطر يمثل تهديدا للمنافسة، إلا أن تلك التعديلات لم تجد سبيلًا للتنفيذ حتى هذه اللحظة نظرًا لعدم إقراره من قبل مجلس النواب.
ومن ثم، فلا يمكن المراهنة سوى على المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 497 لسنة 2014، والتي تحظر التصرف في المستشفيات الخاصة أو مصانع الأدوية بأي نوع من التصرفات القانونية، إلا بعد الرجوع للإدارة المختص بوزارة الصحة والحصول على موافقة كتابية منها بإجراء التصرف، بعد التأكد من عدم المساس بحقوق المرضى وعدم التأثير على توفير الدواء اللازم لعلاجهم وكذلك التأكد من حقوق الأطباء والعاملين، وهي مادة قانونية لا تضمن بمفردها تحقيق التوازن المطلوب في قطاع الرعاية الصحية "الاستراتيجي".