”أكثر من مجرد لعبة”..كرة القدم توقف حروب وتطعم المحتاجين وتحفظ النفس
نادية جمال محطة مصر
على مدار تاريخها تأتي كرة القدم باعتبارها الأداة الأكثر توحيداً وإلهاماً للبشرية على البسيطة، فرغم ما يُعرف عن جماهيرها من عنف وتعصب إلا إنها دائماً ما تظل الحدث الأكبر الذي يلتف حوله الناس، فلا يوجد في العالم أي نشاط اجتماعي آخر يجمع البشر معاً بهذه الأعداد وبكثير من العاطفة والمتعة. فمنذ الظهور الأول للعبة بإنجلترا بالقرن الثامن عشر وحتى الآن، لا تتوقف اللعبة عن إظهار وجهها الإنساني وجلب الخير والسلام حتى في عز أوقات سيطرة الشر والحرب. يتجلى ذلك في عشرات إن لم يكن مئات المواقف التي تدخلت فيها كرة القدم فأوقفت حروب تارة وأطعمت محتاجين تارة وحفظت أنفس من الهلاك تارة.
هدنة الكريسماس:
اقرأ أيضاً
- تسريب عقد ميسي مع برشلونة.. أكبر رقم في تاريخ كرة القدم!
- خاص.. ”إشراف قنود” تشرح دور الإعداد الذهني للاعبي كرة القدم (فيديو)
- مبابي يربك حسابات باريس سان جيرمان
- ”كرة القدم النووية ”... تعرف على محتويات الحقيبة الأخطر في العالم
- نشرة ”محطة مصر”.. قرارات مهمة للحكومة.. وحبس أب شرع في قتل ابنته
- تأجيل اجتماع اتحاد الكرة إلى الغد
عندما حرمت الحرب العالمية الأولى عشرات الجنود من التواجد مع ذويهم ليلة الرابع وعشرين من ديسمبر عام 1914، قرر الجنود نزع سلاحهم قليلاً والتجرد من أجواء الحروب، وفي "المنطقة المحرمة" التي لا يدخلها أي جندي أتى الجنود الألمان وأعداءهم الأنجليز وتبادلوا الهدايا والدخان وشرعوا في تنظيم مباراة كرة قدم بين القوات.
انتهت المباراة بفوز القوات الألمانية بهدفين مقابل هدف واحد للقوات البريطانية. عُرفت هذه الواقعة تاريخياً باسم "هدنة الكريسماس"، وذهبت بعض الأقاويل إلى إن الجنود لم يرغبوا في استكمال الحرب بعد هذه المباراة.
مباراة السلام بين البرازيل وهايتي 2004:
كانت هذه المباراة هي البداية لحملة "Make goals not wars" التي قادها رئيس الفيفا جوزيف بلاتر. ووفقاً لكتاب "Make goals not wars: The contribution of international football of world peace" للكاتب Peter Hough فهذه المباراة جاءت في إطار سعي البرازيل للشراكة مع الأمم المتحدة لتهدئة الأوضاع في هايتي بعد الإطاحة برئيسها، استغل الشركاء حب الجمهور اللاتيني عموماً وجمهور هايتي بالتحديد لكرة القدم، فاحتشد آلاف الجماهير في جنبات الاستاد ليرحبوا بمنتخب البرازيل. قدمت السامبا عرضاً رائعاً وتغلب منتخبها بنتيجة 6-0، لم تغضب جماهير هايتي المحتشدة جراء هذه النتيجة، فكانت فرحتهم منصبة على رؤية نجوم كرونالدو البرازيلي ورونالدينو. في أعقاب المباراة صرح الرئيس الهايتي لاتورتو قائلاً: "إن عدد قليل من نجوم كرة القدم البرازيلين يمكنهم فعل الكثير لنزع سلاح الميليشيات المتحاربة أكثر من الآلآف من قوات حفظ السلام".
ديدييه دورجبا والحرب الأهلية الإيفوارية:
كانت الجمهورية الإيفوارية ساحل العاج والمعروفة باسم كوت ديفوار في حالة حرب داخلية مع نفسها لأكثر من 10 سنوات. ومع اقتراب بطولة كأس الأمم الأفريقية لم يستطع المنتخب الإيفواري لعب مبارياته التأهيلية استعداداً للبطولة جراء الأوضاع، فسعي نجم المنتخب ومهاجمه ديدييه دروجبا في تأمين هدنة مؤقتة بين الأطراف المتشاحنة عام 2007، مستغلاً شعبيته بين أبناء كوت ديفوار جميعهم على كل اختلافاتهم وصراعاتهم، ومكن فريقه من لعب مباراته التأهيلية في منطقة تسيطر عليها المعارضة. شاركت ساحل العاج في البطولة الأفريقية، لم تتمكن من حصد اللقب، لكن فاز الفريق بأكمله بجائزة مقدمة من الاتحاد الأفريقي، نظراً لشجاعته وقدرته على تجاوز الأوضاع الصعبة في البلاد.
منذ ذلك الحين أنشأ دروجبا مؤسسة لدعم مشاريع التنمية من أجل السلام، وأعاد تأكيد التزامه باستخدام كرة القدم من أجل إحلال السلام، فكانت هي الشيء الوحيد الذي ساعده في توحيد بلاده في هذه السنوات.
ماركوس راشفورد وحملته لإطعام الأطفال:
قام ماركوس راشفورد مهاجم مانشيستر يونايتد الإنجليزي بلعب دور كبير خلال فترة الوباء الأخيرة، فتعاون مع مؤسسة "فيرشير" الخيرية وساعد في زيادة الدعم المقدم إلى 20 مليون جنيه استرليني لتوفير الوجبات الغذائية للأطفال.
قاد راشفورد حملة إليكترونية للاستمرار في تقديم الدعم الغذائي للأطفال المستحقين، وطالب الحكومة الإنجليزية بعدم التوقف عن إمداد الأطفال بالوجبات المجانية أثناء فترة إغلاق المدارس إبان الموجة الأولى من فيروس كورونا المستجد، فكتب ماركوس على حسابه الرسمي على تويتر يقول إنه كان يعتمد على وجبات المدارس المجانية ووجبات الأندية والأصدقاء في طعامه وهؤلاء الأطفال بحاجة هذه الوجبة في هذه الأيام أكثر من أي وقت آخر .
وأضاف: "هل تعلمون كم يتطلب الأمر من شجاعة أن يقف رجل ناضج ويعلن إنه عاجز عن إطعام أطفاله وتلبية رغباتهم"؟ انضم كثيرون من نجوم المجتمع والصحفيين لحملة راشفورد، فضلاً عن ذيع صيتها بين الجمهور العادي، الأمر الذي أدى إلى استجابة الحكومة لتسمح لـ3,1مليون طفل بالحصول على وجبات مجانية خلال فترة الإغلاق.
أن تكون على شفا حفرة من الموت وينقذك كتاب عن كرة القدم
يحكي الكاتب الأوروجواياني إدواردو جاليانو عن كتابه الأشهر في عالم كرة القدم "كرة القدم بين الشمس والظل" فيقول: "كتبت كرة القدم بين الشمس والظل ليفقد محبو القراءة خوفهم من كرة القدم ويفقد محبو كرة القدم خوفهم من القراءة". لم يكن يخطر ببال جاليانو وهو يخط صفحات كتابه أن تذهب هذه الكتابات وحكايات الكرة لأبعد من ذلك، إلا عندما أخبره عضواً سابقاً في البرلمان المكسيكي يدعى "فيكتور كوينتانا" إن هذا الكتاب أنقذ حياته، حيث تعرض كوينتانا للاختطاف في منتصف عام 1997 من قبل قتلة مأجورين، استؤجروا لمعاقبته على كشفه بعض الأعمال غير القانونية، فطرحوه أرضاً وراحوا يضربونه حتى شارف على الموت، وقبل أن يطلقوا عليه الرصاصة الأخيرة بدءوا في النقاش حول كرة القدم.
ورغم أن فيكتور كان أقرب للموت منه إلى الحياة عبر عن رأيه في النقاش، وأخذ يروي لهم قصصاً قرأها في كتاب جاليانو. يصف جاليانو الأمر ويقول "مع كل حكاية من تلك الصفحات، كانت ثمة دقائق تضاف إلى حياته". ظل فيكتور يروي القصص لخاطفيه، وفي الأخير تركه القتلة، في مأمن من الهلاك، يمضي إلى حال سبيله.