الغناء في عصر الرقمنة.. كيف أنعشت تطبيقات المحتوى الموسيقي خزائن شركات المحمول؟
محمد مجاهد محطة مصرلا يمكن الجدال بشأن التأثير الكبير الذي فرضته شبكة الإنترنت على صناعة الموسيقى في العالم خلال العقدين الأخيرين، وأصبحنا الآن نتلمس استعذاب الكثيرين من عشاق الفنون للاندماج بين التكنولوجيا والموسيقى بمختلف أشكالها، لدرجة أن غالبية الشركات المطورة للهواتف المحمولة حول العالم اتجهت لإطلاق منصات لبث المحتوى الموسيقي والغنائي، وبات هذا القطاع أحد أهم مصادر الدخل لتلك الشركات خلال العقد الأخير.
صناعة الغناء
اقرأ أيضاً
في الواقع فإن الإيقاع السريع الذي يحدث به التغيير في صناعة الموسيقى تزامنا مع تزاوجها بالتقنيات الرقمية ألقى بظلاله على صناعة الغناء في مصر بشكل كبير، وعلى الرغم من تأخر السوق المصري في الاستجابة لتلك المتغيرات من ناحية التوقيت، إلا أن مزودي خدمات المحمول المحليين أدركوا مؤخرًا حاجتهم للتنافس فيما بينهم على إبرام تعاقدات مع الشركات المنتجة للألبومات الغنائية للسماح لهم ببثها من خلال المنصات الرقمية المستحدثة.
ويتنافس في سوق المحمول المصري أربعة لاعبين، تتصدرهم فودافون مصر بحصة سوقية تصل لنحو 40 مليون مشترك، تليها شركة أورانج مصر، بحصة تصل لنحو 29 مليون عميل، ثم اتصالات مصر بأكثر من 20 مليون مشترك، وأخيرا الشركة المصرية للاتصالات "وي" بخمسة ملايين عميل.
ومع انخفاض دخل مشغلي المحمول من الخدمات التقليدية على مستوى العالم، اتجهت أغلب الشركات للتركيز على الاستثمار في أدوات ذات قيمة مضافة تتيح لهم التماهي مع أنماط الاستخدام الجديدة التي أصبحت ترسم ملامح مختلفة لرغبات العملاء. كان من بين الأدوات التي لجأت إليها شركات المحمول في مصر خلال السنوات الأخيرة بناء منصات رقمية لبث المحتوى الموسيقي، وبات الصراع فيما بين شركات المحمول منحصرا في زاوية اجتذاب مطربي الصف الأول لتقديم البوماتهم الفنية حصريا عبر تلك المنصات بدلا من التسابق على خفض تعريفة المكالمات الصوتية مثلما كان الحال خلال العقد الأول من القرن العشرين.
الجيل الخامس
يقول المهندس خالد حجازي، الرئيس التنفيذى للقطاع المؤسسي بشركة اتصالات مصر، إن الشركة استشعرت مبكرا التحولات الكبيرة التي تشهدها صناعة المحتوى، لا سيما مع التطور الكبير الذي حدث في تقنيات نقل البيانات بسرعات فائقة، كان آخرها ظهور خدمات الجيل الخامس، الأمر الذي دفع الشركة خلال العام الماضي لتخصيص نحو 4.5 مليار جنيه لتحديث شبكاتها، والاستثمار فى التطبيقات المستحدثة مثل ET Sports وEtisalat Music Etisalat Games.
وبحسب دراسات حديثة فإن المستهلكين باتوا يفضلون استخدام تطبيقات الموسيقى بسبب واجهاتها سهلة الاستخدام، والتطورات التي طرأت على الهواتف الذكية، التي جعلت من تجربة الاستماع إلى الأغاني أكثر جاذبية. ومن المرجح أن يشهد هذا المجال نموا سنويا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بما يزيد عن 21٪ خلال الفترة من 2020 إلى 2027.
وأوضح حجازي أن شركة اتصالات مصر حريصة على تطبيق آليات التحول الرقمي في جميع المجالات، ومن بينها الموسيقى والغناء الذي يجتذب فئات عمرية وشرائح واسعة من العملاء في مصر، وتقوم الشركة بإتاحته في مصر من خلال تطبيق "اتصالات ميوزيك" عبر باقات سعرية متنوعة، تتراوح بين جنيه في اليوم الواحد و15 جنيها شهريا، وتتيح أحدث الألبومات الغنائية التي كان آخرها ألبوم النجم محمد منير "باب الجمال" الذي تم طرحه حصريا من خلال تلك المنصة.
المنصات الرقمية
وبالرغم من أن الإنترنت جعلت الموسيقى في متناول الجميع، وتعقدت مهمة الفنانين وشركات الإنتاج في جني الأرباح المالية التي اعتادوا على جمعها في عصر "الكاسيت"، فإن ظهور المنصات الرقمية كان أشبه بطوق الإنقاذ لمنظومة الغناء، ولم يعد خفيا على أحد أن حصيلة بيع أسطوانات الألبومات الجديدة لم تعد تغطي تكلفة إنتاج الألبومات الغنائية، بينما يمكن جني الكثير من الأموال باتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين مؤسسات الإنتاج الفني وشركات المحمول.
لكن الأمور ليست وردية على النحو الذي قد يتصوره البعض، فشركات المحمول لا تفضل خوض المغامرات، وعادة ما تلقى رهاناتها على كبار المطربين من نجوم الصفوف الأولى الذين يتعاملون بالتبعية مع شركات إنتاج كبيرة لضمان تحقيق هوامش أرباح مجزية. وفي جميع الأحوال فإن تلك المعادلة تبخس حقوق صغار المطربين، إذ لا يتمكن الموسيقيون المستقلون من الوصول لجمهورهم من خلال تلك المنصات الرقمية.
وعادة لا تفصح شركات المحمول في مصر عن أعداد مشتركيها في مثل تلك الخدمات، لكن منصة مثل "أبل ميوزيك" المملوكة لعملاق صناعة الهواتف الذكية في العالم، نجحت في الوصول بعدد مشتركيها لأكثر من 72 مليون شخص حول العالم بنهاية الربع الأخير من العام المنصرم، مقابل 6.5 مليون مشترك فقط في نهاية عام 2015 بينما يتخطى عدد مستخدمي منصة "سبوتيفاي" الموسيقية أكثر من 300 مليون مستخدم، فضلا عن ١٤٠ مليون مشترك في خدماتها المدفوعة.
جائحة كورونا وتطبيقات بث الموسيقى
علاوة على ذلك، من المتوقع أن تشهد تلك الصناعة نموًا كبيرًا وسط جائحة كورونا على مستوى العالم، حيث أن معظم الأنشطة الترفيهية في الهواء الطلق متوقفة. كما تزايد معدل تحميل واستخدام تطبيقات بث الموسيقى منذ أن فُرضت عمليات الإغلاق في العديد من البلدان التي تضررت بشدة من الوباء. على سبيل المثال، فقد شهدت "سبوتيفاي" ارتفاعًا في عدد المستخدمين النشطين شهريًا بنسبة 29٪ على أساس سنوي إلى 299 مليون مستخدم في الربع الثاني من عام 202.
وتشير دراسات السوق إلى أن حجم سوق بث الموسيقى العالمية سيرتفع إلى 76.9 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، ومن المتوقع أن يتوسع السوق بمعدل نمو سنوي مركب قدره 17.8٪ من 2020 إلى 2027 وذلك بفضل المرونة وسهولة الاستخدام التي توفرها تطبيقات الموسيقى المختلفة وقد يصل إجمالي الاشتراكات إلى أكثر من 450 مليون مشترك بنهاية الربع الأول من العام الجاري. وتعكس تلك الأرقام حجم الإنفاق المتوقع على صناعة الموسيقى الذي سينعكس بطبيعة الحال على شركات المحمول التي تدرك جيدا أن شراء محتوى موسيقي جذاب ومشوق وبثه عبر منصاتها الرقمية سيدعم مكاسبها، ويعوض جانب كبير من عوائدها المنخفضة فعليا من الخدمات الهاتفية التقليدية.