هل اقترب موعد فك شفرات الكون وألغازه؟
محمد مجاهد محطة مصررغم القفزات الهائلة التي حققتها العلوم البشرية في استكشاف الكواكب والأجرام السماوية والمجرات والأكوان المجاورة غير أن ما آتيناه من هذا العلم ليس إلا بالنذر القليل، خاصة إذا أدركنا الكم الهائل من الغموض الذي مازال يكتنف ملابسات ميلاد هذا الكون، وكيفية بزوغ نجم تلك الكواكب والمجرات.. تلك الأسئلة وغيرها التي مازال العالم يبحث عن إجابتها منذ مئات السنين، ربما قد حان الوقت للإجابة عليها بعد أن أقرت مجموعة من الدول خطة لبناء وتشغيل أكبر تليسكوب على وجه الأرض سيعمل على مراقبة الفضاء، في مسعى جديد لتقديم إجابات عن أكثر الأسئلة العلمية إلحاحًا وتعقيدًا.
تعود قصة هذا المشروع لعدة سنوات حينما سعى تحالف دولي يسمى "مجلس مرصد مصفوفة الكيلومتر المربع (SKAO)" ومقره بريطانيا للعمل على بناء مرصد فلكي ضخم لكن دون جدوى، إلى أن تم التصديق خلال الشهر الماضي على كافة الاتفاقيات والسياسات واللوائح التي تنظم عمل المرصد الذي تقرر إنشائه في موقعين غير مأهولين بكل من جنوب إفريقيا وأستراليا، وبتكلفة قد تزيد عن 2.4 مليار دولار.
اقرأ أيضاً
ويأتي إنشاء SKAO بعد مجهود ضخم نفذه أكثر من 500 مهندس، وأكثر من 1000 عالم وعشرات من صانعي السياسات في أكثر من 20 دولة؛ وهي نتاج ثلاثة عقود من التفكير والبحث والتطوير منذ أن جرت المناقشات لأول مرة حول تطوير تلسكوب لاسلكي من الجيل الثاني.
قبل أيام، وتحديدًا في منتصف الشهر الماضي، تم الإعلان عن إطلاق المنظمة الحكومية الدولية التي ستكون معنية بهذا المشروع الضخم تحت اسم مرصد SKA لينطلق العمل في بناء وتشغيل شبكتين للتلسكوبات الراديوية، والتي ستكون الأكبر والأكثر تعقيدًا على الإطلاق.
في ظل هذه المنظمة، سيتم إنشاء شبكتي تلسكوب راديوي، ولن تكونا تلسكوبًا واحدًا بل مجموعة من الهوائيات وأطباق التلسكوبات الراديوية. وسوف تتألف الشبكة التي سيتم تدشينها بمدينة كارو الجنوب افريقية من نحو 197 طبقًا يبلغ قطر كل منها 15 مترًا، من بين هذه الأطباق، هناك 64 طبقًا موجودة بالفعل ويتم تشغيلها بواسطة مرصد علم الفلك الراديوي في جنوب إفريقيا (SARAO) التابع للتحالف.
من ناحية أخرى، ستتشكل شبكة التلسكوب في أستراليا من هوائيات ضخمة، يبلغ ارتفاع كل منها مترين، وستكون موجودة في مرصد مورشيسون لعلم الفلك الراديوي التابع لمنظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية (CSIRO).
وتشمل الأهداف العلمية لهذا المشروع على دراسة موجات الجاذبية لاختبار النظريات التي اقترحها ألبرت أينشتاين، إلى جانب تحسين الفهم البشري لتطور الكون، والبحث عن علامات الحياة في الفضاء الخارجي، ورسم خرائط لمئات الملايين من المجرات، والبحث عن إجابات بشأن كيفية تألق النجوم الأولى في الكون، وماهية "الطاقة المظلمة"، والشكل الغامض للطاقة الذي يبدو أنه يفصل بين الأجرام الكونية بمعدل متسارع، والبحث فيما إذا كنا وحدنا في هذا الكون أم أن هناك كائنات أخرى تعيش حولنا دون أن ندرى، وسيكون بوسع التليسكوب التقاط إشارات من خارج الأرض عبر مستقبلات حساسة للغاية وغير مسبوقة، ويأمل العلماء في العثور على إجابات لبعض الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام باستخدام هذا التلسكوب مثل بدايات الكون وكيف ومتى ولدت النجوم الأولى ودورة حياة المجرة وفهم مصدر موجات الجاذبية في غضون السنوات القليلة المقبلة.
ومن المقرر نقل البيانات التي تم جمعها من البنية التحتية للمرصد إلى المراكز الإقليمية في جميع أنحاء العالم بحيث يمكن للمجتمع العلمي الاستفادة من ذلك. وسوف يحفز هذا المشروع على تصنيع أسرع أجهزة كمبيوتر عملاقة في العالم لتكون قادرة على معالجة البيانات بالكامل في الوقت الفعلي، حيث ستصل البيانات المنتجة إلى حوالي 600 بيتابايت (1 بيتابايت = 1024 تيرابايت) كل عام، وسوف تكون كمية الألياف الضوئية المطلوبة لتليسكوب SKA كافية للالتفاف حول الأرض مرتين تقريبا، كما ستكون مستشعرات التليسكوب كافية للكشف عن رادار مثبت على سطح كوكب يبعد عشرات السنين الضوئية عن الأرض.
وحول تلك الخطوة غير المسبوقة تقول الدكتورة كاثرين سيزارسكي، التي عينت أول رئيس لمجلس SKAO في تصريحات لموقع "ساينس بيزنس": "هذه لحظة تاريخية لعلم الفلك الراديوي.. وراء هذا اليوم هناك دول لديها رؤية للمشاركة العميقة لأنها رأت الفوائد الأوسع التي يمكن أن تحققها مشاركتها في تلك المنظومة لبناء نظام بيئي للعلوم والتكنولوجيا يتضمن الأبحاث الأساسية والحوسبة والهندسة والمهارات للجيل القادم، والتي تعتبر ضرورية في الاقتصاد الرقمي للقرن الحادي والعشرين".
ورغم أن العلماء يعتقدون أن عملية بناء المرصد المعقدة للغاية قد تستغرق نحو عشرة أعوام إلا أن التحالف يأمل في أن يكتمل بناء المرحلة الأولى من SKA بحلول عام 2027. وبطريقة ما فإن نحو 40% من سكان كوكب الأرض يشاركون في هذا المشروع الضخم، حيث يصل عدد الدول المشاركة فيه إلى 16 دولة هي حاليا جزء من هذا المشروع، إما على مستوى الحكومة أو كمنسقين أو مراقبين. وهذا يشمل كل من الهند وأستراليا والمملكة المتحدة وجنوب إفريقيا واليابان وهولندا وكوريا الجنوبية وألمانيا وفرنسا وكندا والبرتغال وإيطاليا وسويسرا وإسبانيا والصين والسويد.
علاوة على ذلك، هناك ثماني دول أفريقية تشارك في العمل المنسق من أجل دعم توسيع مشروع SKA في القارة السمراء مستقبلا.