لماذا هدم الرسول مسجدًا وحرقه.؟
فاطمة هشام محطة مصرالمساجد هي بيوت الله المقدسة التي لا يمكن المساس بها بسوء أبدًا، ومن فعل فإنما استوجب عذاب شديد من الله، يقول الله تعالى في محكم آياته من سورة البقرة: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ…” (الآية 114).
وفي هذا بيان أن السعي في إغلاق المساجد وتخريبها هو من أظلم الأعمال التي يعاقب صاحبها أشد العقاب فهو إذ تجرأ على المسجد فهو يتجرأ على بيت الله وحرمة الله جل في علاه.
اقرأ أيضاً
ومع هذا كله فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم مسجد في حياته، فما هي قصة هذا المسجد..؟
مسجد ضرار هو المسجد الذي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمه بأمر إلهي من فوق سبع سموات، حيث أنزل الله على نبيه آيات محكمات، قال تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
مسجد ضرار:
هو مسجد قد بناه طائفة من المنافقين لأبي عامر الذي كان يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية وكان المشركون يعظمونه، وبعد مجيء الإسلام قام بالفرار للكافرين، وحينها قامت طائفة من المنافقين ببناء هذا المسجد الذي سمي مسجد ضرار، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر، فهذا المسجد لم يبنى لأجل فعل ما أمر الله به ورسوله بل لغير ذلك من إلحاق الضرر بالمسلمين والتفريق بينهم، وقد أنزل الله فيه الآيات السابقة، فلما نزلت الآيات على رسول الله قام الرسول فأمر بهدمه وحرقه.
سبب بناء مسجد ضرار:
حسد بنو غنم بن عوف، بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم ويصلي في مسجد قباء، ولذا قرر بنو غنم بن عوف أن يبنوا هم أيضًا مسجدًا، وقالوا: نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام ليثبت لهم الفضل والزيادة على إخوانهم.
وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عامر بالفاسق، وقال هذا الفاسق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: "لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم"، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازن خرج هاربًا إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قـوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر وآت بجنود ومخرج محمدًا وأصحابه من المدينة.
وحين قام بنو غنم بن عوف ببناء مسجد الضرار إلى جانب مسجد قباء، قالوا للنبي: بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال الرسول: "إني على جناح سفر وحال شغل وإذا قـدمنا إن شاء الله صلينا فيه"، فلما عاد من غزوة تبوك سألوه مجددًا ليأتي إلى المسجد، فنزل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا» إلى قوله «لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا»، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمالك بن الذخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب فقال لهم: انطلقوا إلـى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه، ففعلوا وأمر أن يجعل مكانه كناسة تلقى فيـها الجـيف والقمامة.
وكل مسجد تم بناؤه لغير وجه الله أو رياءً أو للتفرقة بين المسلمين وإلحاق الضرر والأذى بهم فهذا المسجد له ليس له حكم شرعيّ، و ليس له حُرمة كغيره من المساجد، ولا يجوز عليه وقْف، وقد قام الراضي بالله وهو أحد ولاة المسلمين الذي قام بهدم العديد من المساجد التي بُنِيت لأسباب فيها شُبهة، أو جاء بناؤها بهدف النّيل من الإسلام، أو لأنّها قامت على عقائد باطلة، مثل: الباطنية، والمشبهة، والجبرية، وغير تلك المساجد، وجعَلَ بعضها الآخر سبيلاً للمسلمين يستخدمونها كما شاؤوا.
من هو أبو عامر الراهب الذي سماه الرسول بالفاسق..؟
أبو عامر الراهب هو رجل من قبيلة الخزرج وكان نصرانيًا، حيث تعلم من أهل الكتاب وقرا كتبهم وتعبد بعبادتهم.
وتمتع أبو عامر الراهب بمكانة عظيمة، وشرف رفيع في قومه، ولكن بعد هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، واجتماع المسلمون من المهاجرين والأنصار حوله، وصار للإسلام قوّة ومنعة، وخاصّةً بعد غزوة بدر، لم يُعجب ذلك أبا عامر، ولذا أظهر الحقد والعداء للمسلمين.
بعدها قام أبو عامر الراهب بالتوجه إلى مكة؛ ليحرِّض كفُارها وسادَتها على محاربة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، ثمّ وقعت غزوة أحد، حيث امتحن الله المؤمنين، وفي بداية المعركة توجّه أبو عامر إلى قومه من الأنصار ممّن كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخاطبهم وحرّضهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستمالهم للوقوف في صفّه، وموافقته على ما عزم عليه من عِداء للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فلما رأوا منه ذلك العداء للنبيّ شتموه وسبّوه.
بعد انتهاء غزوة أحد، وازدياد شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومكانته، لجأ أبو عامر إلى هرقل ملك الروم، وطلب منه أن ينصره ويُعينه في حربه ضد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فوعده هرقل بأنه سينصره ومَنَّاه بذلك.
ولذا أقام أبو عامر الراهب عنده فترةً، وراسل المنافقين في المدينة أنّه سيأتيهم بجيش؛ لقتال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ ليكسر شوكته ويغلبه، وأمرهم أن يجعلوا لهم مكانًا يجتمعون فيه ويكون لهم معقلاً ومرصداً.
لذا قرر المنافقين أن يبنوا مسجدًا بجوار مسجد قباء، فبنَوْه، وطلبوا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيهم للصلاة فيه؛ ليجعلوا له أساساً بين المسلمين، وكان ذلك قبل خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى غزوة تبوك، وكانت حجّتهم بأنّ بناءه كان بقصد إيواء الضعفاء وذوي الأمراض والعِلل، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى عصم نبيّه صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة في ذلك المسجد؛ حيث سافر حينها إلى تبوك، وفي طريق رجوعه إلى المدينة نزل عليه الوحي يخبره بنيّة بناء مسجدهم ذاك وقصدهم، فبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد من يهدمه قبل أن يصل إلى المدينة.
من هم بناة مسجد ضرار..؟
بنى مسجد الضرار اثنا عشر رجلاً من المنافقين، وهم: خذام بن خالد، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأذعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر وابناه: مجمع وزيد، ونبتل بن الحارث، وبحزج من بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت.