كارلو في فاري السينمائي الدولي الخامس والخمسين يحتفي بالموسيقى والحياة
د. أمل الجمل كارلو في فاري محطة مصرالسينما هى الفن الذي يناقش الحياة ويُقدمها لنا في صور لا تنتهي. السينما تنقل إلينا حيوات وتجارب لم نعشها، تجعلنا نختبرها وكأننا قد عشناها بالفعل. السينما هى الفن القادر على جمع مختلف الفنون سوياً في بوتقة واحدة منصهرة، لأجل توظيفها في خدمة المعالجة السردية والبنائية البصرية بأفلامها.
هنا، أيضاً، في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي الخامس والخمسين الذي عُقد بالفترة من ٢٠ -٢٨ أغسطس والذي يُعد أهم وأعرق مهرجان في وسط وشرق أوربا، احتفى منظموا المهرجان - ومعهم كثير من الشركات والشركاء الداعمين للمهرجان - بكافة أشكال الحياة وفي مقدمتها الموسيقى الحاضرة بقوة طوال أيام المهرجان.
الموسيقي، هنا، ليس المقصود بها الأفلام الموسيقية وفقط، وإن كانت بالمناسبة تُشكل تواجداً جوهرياً في عدد غير قليل من الأفلام بالأقسام المتنوعة ضمن برنامج المهرجان التشيكي العريق، لكن المقصود، أيضاً، تلك الحفلات الموسيقية المصممة خصيصاً للجمهور والتي تصدح فيها الآلات الموسيقية وأصوات المؤديين حتى ساعات الصباح الأولى يومياً، حتى في تلك الأيام المطيرة ظل جمهورها يحتمي بالمظلات مواصلاً الاستمتاع بالنغم المصاحب للأغنيات. وجدير بالذكر أن عدد كبير من تلك الحفلات يكون مجانياً، أو يتم تخصيص أماكن مجانية به، بحيث تُتيح للجمهور أن يستمتع بتلك الحفلات من دون أن يدفع أية رسوم.
لن يُستثنى من ذلك الحفل الموسيقي المسرحي في إفتتاح كارلوفي فاري، صحيح أن مراسم الإفتتاح لم تخلو بدورها من عرض أدائي راقص صمم له الكريوجرافي فرقة الأخوان كابان، التي ارتبطت بالمهرجان قبل خمسة وعشرين عامًا، ولذلك فقد أصدرت مجلداً ضخماً عن تلك التجربة تم الاحتفاء به وتوقيعه أثناء فعاليات المهرجان وجاء عنوانه «فاري ٢٥ عاماً» VARY25».
المسرحية الأسطورية في عيدها الخمسين
بدأ الحفل الأساسي في افتتاح المهرجان عقب عرض الفيلم التشيكي «زاتوبك» عن الرياضي التشيكي الشهير إيميل زاتبوك الذي نال الميدالية الأولمبية أربع مرات. كان الحفل الموسيقي هذا العام نسخة فريدة من المسرحية الموسيقية «النجم يسوع المسيح» JESUS CHRIST SUPERSTAR . إنها أوبرا روك ألف موسيقاها أندرو لويد ويبر، وكتب كلماتها تيم رايس. تم بناء حبكتها في إطار دلالي - يشمل الإنسانية - استناداً إلي روايات الأناجيل عن الأسبوع الأخير من حياة المسيح، بدءًا من التحضير لمجيء يسوع وتلاميذه إلى القدس وانتهاءً بالصلب.
أما عن سر اختيار هذه المسرحية لإفتتاح مهرجان كارلوفي فاري السينمائي في الدورة الخامسة والخمسين - برفقة أوركسترا كارلوفي فاري السيمفونية بقيادة أوتا بالاج - أن هذ العام يُصادف الذكرى الخمسين على مولد تلك المسرحية الموسيقية الأسطورية، أو التي تُصنف على أنها أوبرا الروك.
يُذكر أنه تم عرضها لأول مرة في برودواي في 12 يونيو 1971. ثم عرضت منها نسخاً عديدة، وأقيمت لها حفلات موسيقية في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى فيلمان مقتبسان عنها - في عامي 1973 و2000. حيث عرض أحدهما في براغ. لكن المدهش أنه حتى بعد كل هذه السنوات ظلت نسخة براغ من المسرحية الموسيقية الأسطورية في ذاكرة المعجبين كأفضل شيء شهده تاريخ الموسيقي التشيكية منذ عام 1989، وذلك وفق شهادات الكثيرين والحضور الجماهيري الحاشد ذاته أكد ذلك.
المدهش أن المسرحية الموسيقية التي كانت آنذاك ترمز إلى بداية الحرية المستعادة، شاهدها أكثر من ٨٥٠ ألف متفرج، في مسرح Spirála في أرض المعارض في براغ على مدار 1288 عرضًا مذهلاً. المثير للبهجة أنه رغم مرور كل هذه السنوات فإن هذا المشروع الموسيقي الفريد لم يفقد شيئاً من أهميته، وكان فريق نجومه الأصليين من إنتاج براغ بتجربة موسيقية خالدة. وفي ٢٠ أغسطس ٢٠٢١ قدم نسخة آخرى بديعة أذهلت الحشود الحاضرة من الجماهير.
لص الذهب وأيقونة الموسيقى الإيرلندية
أما أبرز الأفلام الغنائية فمنها الفيلم الوثائقي «لص الذهب، جولات قليلة مع شون ماكجوان» من إخراج جوليان تمبل وبشراكة إنتاجية من جوني ديب. عُرض الفيلم ضمن الإحتفاء بأيقونة السينما المعاصرة جوني ديب في كارلوفي فاري الأخير، إذ حضر عرض الفيلم بنفسه، كما حضر عرضه فيلمه «ميناماتا»، روائى طويل عن تلك المدينة اليابانية التي تلوثت فيها المياه بسبب المخلفات السامة لمصانع الأغنياء، فتسببت في موت الكثير من أهالي المدينة.
لم يكتف منظموا المهرجان التشيكي بتقديم جوني ديب للفيلمين، ولكنهما أتاحا للجمهور فرصة حضور النقاش واللقاء مع نجمهم العالمي المحبوب الذي حقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر لسنوات، وذلك بصحبة منتج ومخرج «لص الذهب» إضافة إلي حضور زوجة شون ماكجوان التي ارتبط بها في سنوات الأخيرة.
إن الفيلم عن أيقونة الموسيقى الأيرلندية شون ماكجوان، يدور في أزمنة مختلفة، بين حاضر يُنصت فيه البطل الأيقونة للآسئلة وآراء الآخرين فيه، أو ينصت لتسجيلاته هو، أو يشاهد لقاءات تليفزيونية معه، ويعلق عليها، أو يتأملها في صمت ناطق بقوة. أثناء ذلك يوظف المخرج مشاهد من أفلام روائية، ويستخدم لقطات سينمائية صممت خصيصاً للفيلم، عبر تقنية رسوم التحريك، وذلك لينقل المخرج للمشاهد نظرة هذا الموسيقي المبدع للعالم وروح الدعابة التي تلتبس روحه، ويكشف شيئًا عن الحساسية الداخلية لهذا الشاعر البانك، وكأن الفيلم أكثر من مجرد تسليط للضوء على رائد الفرقة الأسطورية The Pogues، إنه فيلم يحكي عن العالم وفترات مفصلية في تاريخه وذلك من خلال الحكي عن أيقونة موسقية آخذت لب العالم لسنوات. شارك في إنتاج الفيلم صديق شون ماكجوان النجم الهوليوودي جوني ديب، الذي يظهر أيضًا بالفيلم، وإن في عدة لقطات بسيطة.
لم يخلو حفل الختام هو أيضاً من الموسيقى، لكنه في تلك المرة كان حفلاً مغلقاً للنجوم والضيوف المدعوين والفائزين بجوائز المهرجان الذين أقيم حفل عشاء على شرفهم، لكن ما بين الإفتتاح والختام أقيمت عشرات حفلات الموسيقية المفتوحة مجاناً للجمهور في الهواء الطلق. فهل يمكنكم أعزائي القراء أن تتفهموا لماذا ينتظر الجمهور التشيكي العريض وعشاق الفن السابع في وسط وشرق أوروبا هذا المهرجان العريق؟! لأنه ببساطة شديدة، مهرجان سينمائي حقيقي، يحتفي بالسينما ويُحضرها إلى جمهوره، وإلي جوارها يحتفي أيضاً بالحياة، فهل هناك أجمل من ذلك؟!