غموض العصر البرونزي.. هل كانت الكوارث الطبيعية وحدها السبب لانهياره؟
ميار مختار محطة مصرشهد العصر البرونزي بدء البشر في العمل بالمعدن، حيث حلت الأدوات والأسلحة البرونزية محل الإصدارات الحجرية التي سبقتها، ويعتقد أن السومريين القدماء في الشرق الأوسط هم أول من دخل هذا العصر.
وفي التقرير التالي يرصد موقع محطة مصر نيوز أبرز أسباب انهيار العصر البرونزي.
انهيار العصر البرونزي
قبل ما يدنو من الـ3200 عام، كان الشرق الأوسط والشرق الأدنى موطنًا لحضارة عرفت كل أشكال الازدهار، تغذيها التجارة المربحة في المعادن الثمينة والسلع المصنعة محليًا، وكانت الممالك والإمبراطوريات العظيمة في هذا الوقت، بما فيها المصرية، البابلية والحيثية، تمتلك المعرفة التكنولوجية لبناء قصور ضخمة ووظفت الكتبة للاحتفاظ بسجلات لأموالهم ومآثرهم العسكرية.
اقرأ أيضاً
- ضياء السيد: زيزو والشحات ومصطفي فتحي أفضل بدائل محمد صلاح
- ميدو: رابطة الدورى الإنجليزي تحاول ابتزاز المنتخبات الوطنية..وتستغل ”كورونا” أسوء استغلال
- ضياء السيد: الزمالك استحق الفوز بلقب الدوري
- الإتربي: احتفالية كبرى لتكريم اللاعبين تحت مسمى ”فى ضهرك يا زمالك”
- ميدو: الحديث حول وجود مؤامرة لفوز الزمالك بالدورى ”كلام فارغ”
- ميدو: الزمالك استحق لقب الدورى رغم الظروف الصعبة
- ميدو: جمهور الزمالك أكثر من يستحق التحية بعد الفوز بالدوري
- نظر محاكمة سعاد الخولي نائب محافظ الإسكندرية لاتهامها بتحقيق كسب غير مشروع
- الخطيب يجتمع بلاعبي الأهلي بعد خسارة الدوري
- الأهلي يسقط في فخ التعادل مع الجونة
- الزمالك يفوز على الإنتاج ويتوج بطلا للدوري الممتاز
- الشوط الأول..الجونة يتقدم على الأهلي بهدف
لكن في غضون عقود، مرت تلك الثقافة المزدهرة بانهيار سريع وشبه كامل، فبعد 1177 قبل الميلاد، انغمس الناجون من هذا الانهيار في العصر البرونزي في "العصور المظلمة" التي امتدت لقرون، شهدت اختفاء بعض اللغات المكتوبة وأخفت ممالك كانت جبارة في يوم من الأيام.
طبقًا لإريك كلاين، مؤلف كتاب "العام الذي انهارت به الحضارة"، من المحتمل أن الزوال المتزامن للعديد من الحضارات القديمة لم يكن ناتجًا عن حدث أو كارثة واحدة، ولكن بسبب عاصفة كاملة من عوامل الإجهاد المتعددة مثل الجفاف، والمجاعات، واللصوص المتجولين، وغيرها من العوامل التي أطاحت بهذه الحضارات الراسخة مثل أحجار الدومينو.
عالم قديم "معولم"
كان الاقتصاد المعولم موجودًا بالفعل في العصر البرونزي المتأخر، حيث اعتمدت العديد من الحضارات القديمة على بعضها البعض للحصول على المواد الخام، خاصة النحاس والقصدير لإنتاج البرونز، وكذلك التجارة في السلع المصنوعة من السيراميك والعاج والذهب.
ومن أجل إدراك مدى ترابط الممالك بهذا العصر، والتي كانت تمتد من إيطاليا في الغرب إلى أفغانستان في الشرق، ومن تركيا في الشمال إلى مصر في الجنوب، علينا أن نتوقف عند اكتشاف حطام سفينة «أولوبرون» قبالة سواحل تركيا الحديثة قليلًا.
تاريخ الحطام يعود إلى العصر البرونزي المتأخر (حوالي 1320 قبل الميلاد)، وبالتدقيق أكثر، اكتشفت مجموعة رائعة من السلع الفاخرة مثل: الحلي العاجية المنحوتة، والمجوهرات الذهبية والعقيق، والمواد الخام باهظة الثمن من الموانئ البعيدة مثل أنياب الفيلة وقشر بيض النعام.
وحتى تدرك معنى الترابط والاقتصاد المعولم جيدًا، يمكننا فقط أن نخبرك أن النحاس كان يُستخرج من قبرص، والقصدير في أفغانستان، بينما جاءت المعادن الثمينة مثل الفضة والذهب من اليونان ومصر، حتى الخشب المستخدم في بناء هيكل السفينة كان مستوردًا من خشب الأرز من لبنان.
الإجابة الأولى.. شعوب البحر
يظل الرد المنطقي على من يسأل عن الأسباب الحقيقية لانهيار العصر البرونزي هو غزو شعوب البحر لهذه الإمبراطوريات والممالك بحلول القرن الـ12 قبل الميلاد، وهي حقائق وثقها من حضروها بقدر ما امتلكوا من إمكانيات وقتها، حيث كتب ملك كنعاني عن أعداء مجهولين أحرقوا مدينته الساحلية (أوغاريت)، وفعلوا الكثير من الأشياء الشريرة.
أما في مصر، فاستقبلت جيوش الفرعون هجومين منفصلين من هؤلاء الأجانب الغامضين، مرة في عام 1207 قبل الميلاد، ومرة أخرى عام 1177 قبل الميلاد، وهو ما تم توثيقه على جدران معبد رمسيس الثالث في مدينة هابو يصور المعركة البحرية الضخمة الثانية، والتي انتصرت فيها مصر ضد سرب شعوب البحر.
بينما كان المصريون قادرين على محاربة شعوب البحر، لم تكن الحضارات الأخرى محظوظة قادرة على ذلك، وإلى الآن تمتلئ منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى بأكملها بالبقايا الأثرية لمدن أحرقت على الأرض خلال هذه الفترة الزمنية، مثل حتوسا، العاصمة القديمة للإمبراطورية الحيثية، وميجيدو في كنعان بل إن البعض يعتقد أن التدمير الأسطوري لطروادة ربما يكون قد نشأ مع غزو شعوب البحر.
ولا تزال حقيقة أصول شعوب البحر غامضة، لكن طبقًا لإحدى النظريات فقد نزحت هذه الشعوب من عدة مناطق غرب البحر المتوسط، بالقرب من شبه الجزيرة الآيبيرية، هربًا من الجفاف وبعض من الكوارث الطبيعية الأخرى، والدليل على كونهم ذهبوا إلى الشرق الأوسط كمهاجرين، هو زحف سفنهم إلى البحر المتوسط مع النساء والأطفال، ما يعني أنهم لم يكونوا ضمن بعثات عسكرية تقصد القتال.
الإجابة الثانية.. الكوارث الطبيعية
قدمت مجموعة من العلماء نتائج بحثية بالعام 2014 تثبت أن الفترة من 1250 إلى 1100 قبل الميلاد، كانت الأكثر جفافا في العصر البرونزي بأكمله، وهو ما يسميه بعض العلماء "الجفاف الضخم"، واستخدم العلماء أثناء بحثهم بعض العينات من بحيرة طبرية وتوصلوا إلى تاريخ تواجدها بالتقريب بعد استخدام الكربون المشع، ويرجح أن فترة الجفاف تلك استمرت لنحو 150 عامًا على أقل تقدير.
نجا المصريون والبابليون من هذه الموجة من الجفاف لقربهم من أنهار عظيمة مثل النيل ودجلة والفرات، لكن الحضارات الأخرى لم تكن محظوظة، حيث تكالبت الظروف ضدهم، بداية من الجفاف، المجاعة، بالإضافة إلى غزوات شعوب البحر، التي نزحت إلى مواطنهم لنفس الظروف تقريبًا.
حسب رأي كلاين، المدعوم بأدلة جيوفيزيائية، فالجفاف لم يكن الكارثة الوحيدة التي أدت إلى اختفاء بعض حضارات العصر البرونزي، بل كذلك الزلازل، حيث اتضح أنه خلال فترة الخمسين عامًا من 1225 إلى 1175 قبل الميلاد تعرضت منطقة البحر الأبيض المتوسط لسلسلة من الزلازل الكبيرة المعروفة باسم "عاصفة الزلزال".
ويقول كلاين ملخصًا الأسباب: "إذا نظرت إلى كل هذه الأحداث بشكل فردي: الجفاف، والمجاعة، والغزاة، والزلازل، وربما المرض، ربما لا تكفي أي واحدة منها لإسقاط حضارة بأكملها، ناهيك عن 8 حضارات أو أكثر، ولكن إذا حصلت 3 أو 4 من هذه الكوارث معًا في تتابع سريع، عندئذ قد لا تجد الحضارات وقتًا للتعافي، بل ومن الممكن أن تنهار وتختفي تمامًا".
مفارقة
ومن المفارقات، أن الترابط الذي عزز ممالك العصر البرونزي ربما هو نفس الشيء الذي عجل بسقوطها، فبمجرد أن تعطلت طرق التجارة للقصدير والنحاس، انهار النظام، وحدث ما يعرف حاليًا بتأثير الدومينو، لكن الأمر الأكثر أهمية بذلك الخصوص، هو التذكير بأن كل الحضارات لم تتأثر بالتساوي.
عانى البعض، مثل الميسينيين والمينويين، من الانهيار الكامل، نفس الشيء مع الحيثيين، الذين لم يعد لهم وجود كحضارة، بينما لم يتأثر الآشوريون والمصريون إلى حد كبير، فيما أظهر الآخرون مرونة وقاموا إما بتغيير أو إعادة تعريف أنفسهم، وأحد الأمثلة على ذلك هو ظهور الحديد كمعدن جديد مفضل، بمجرد نقص المعروض من النحاس والقصدير وانخفض الطلب على البرونز في اليونان، كانت هناك فرصة لشيء ما ليحل محله.
بهذا انتهى العصر البرونزي، وبدأ ما يعرف بالعصر الحديدي، هو تلك الفترة من العصور التاريخية التي برز فيها استعمال الإنسان للحديد في صناعة الأدوات والأسلحة