”أول سندريلا للسينما المصرية” .. ”ليلي مراد” بنت مصر والضاهر
أحمد النجار القاهرة محطة مصركان اليهود المصريون جزء أصيل من المجتمع يحصلون علي نفس الحقوق التي يحصل عليها أبناء الديانات الإسلامية والمسيحية وعليهم نفس الواجبات وفي كتابه يهود مصر من الإزدهار الي الشتات يعطي مؤلفه الدكتور محمد ابو الغار صورة مقربة عن اليهود في مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين يقول الدكتور ابو الغار في مقدمة كتابه : منذ سنوات طوال شغلتني فكرة المواطنه ويرتبط ذلك في ذهني دائما بمفهوم المواطنة عند اليهود المصريين فمنذ طفولتي كان اليهود المصريون يحتلون حيزا كبيرا من تفكيري مازلت أتذكر أن أنوار منزلنا كانت تطفأ بسبب قنبلة القيت عليه من طائرة اسرائيلية ولم أكن تعلمت القراءة والكتابة بعد وفي عام 1956 عندما كنت طالبا بكلة العلوم في السنة الاعدادية للطب حدث العدوان الانجليزي الاسرائيلي الفرنسي علي مصر وفي تلك الفترة حدثني والدي كثيرا عن اليهود المصريين الذين زاملهم في الدراسة والعمل، ومنهم رئيسه لفترة طويلة في البنك مسيو بتشوتو، وهو من عائلة سكندرية يهودية قديمة وشهيرة، وكان دائما يذكر عنه كفاءته وأمانته، وفي السنة التالية للعدوان حدثت الهجرة الكبرى لليهود المصريين مما أثار أحاديث ذات شجون مع أبي الذي كان أول من أفهمني أن اليهود المصريين ليسوا طائفة واحدة متجانسة، وإنما مجموعة من الطوائف بينهم اختلافات كبيرة جدا وتوحدهم فقط الديانة اليهودية.. وطوال تلك السنوات كنت أفكر في اليهود المصريين، وكان السؤال الذي يشغلني هل كانوا مصريين فعلا؟ وإذا كانوا كذلك فلماذا تركوا الوطن؟ هل تركوه طواعية أم تحت ضغوط؟ وهل حدثت هذه الضغوط من مصر حكومة؟ أم شعبا؟ أم من إسرائيل؟ أم من الصهيونية العالمية؟ أم لم يكن هناك ضغط أصلا وهم الذين فضلوا الرحيل؟
ويعتبر أبو الغار أن اليهود المصريين الأصليين هم اليهود الذين عاشوا علي أرض مصر أجيالا متعددة، تكلموا بلغتها وتشربوا عاداتها وتسموا بأسماء أبنائها ونالهم من الأذى ما نال المصريين وتحسنت أحوالهم كلما عم رخاء نسبي في مصر، موضحا أنه أخذ بهذا التعريف الذي لا يخضع لقانون علمي واضح ومحدد، لأنه يرى أن اليهود القرائين وبعض اليهود الربانيين عاشوا في مصر قرونا طويلة جدا، وكانوا يتكلمون العربية مثل كل المصريين، ومنهم الفقراء ومتوسطو الحال وبعض الأغنياء، وقد خرج منهم العمال والحرفيون والبائعون المتجولون وأصحاب المحلات في الأزهر الذين كانوا يلبسون الجلباب البلدي والطربوش والفنيون في الصاغة، ومنهم الملحنون والموسيقيون والمغنون والصحفيون والشعراء والزجالون والممثلون والأطباء والمحاسبون، وقد تكلموا العربية فقط، إلا من حصل منهم علي قدر من التعليم مثلهم مثل باقي المصريين تماما. لذا فإن طائفة القرائين تعد مصرية صميمة، لكنها تدين بالديانة اليهودية، وكانت هذه الطائفة أقل الطوائف تعاطفا مع الصهيونية، باستثناء أفراد قلائل اختلطت عندهم مبادئ الصهيونية بالديانة اليهودية، لكن الأغلبية منهم لم تبتعد عن شعورها بالمصرية باستثناءات نادرة.
ويقدر عدد اليهود المصريين الأصليين الذين عاشوا في مصر قرونا طويلة بنحو10 آلاف شخص، أي نحو 15 % فقط من الجالية اليهودية، وعاش معظمهم في حارة اليهود وبعض مدن وسط الدلتا وكان معظم أفراد هذه الجالية الأصلية يشتغلون عمالا حرفيين، وكانوا في الأغلب من الفقراء. والكثير منهم كان دون عمل مستمر، وكان البعض يعيش على معونات الأثرياء من الجالية أوالمؤسسات الخيرية، كما كان بعضهم شحاذين.
وكان اليهود المصريون الأصليون لا يختلفون في شيء عن عامة الشعب المصري، لا في اللغة ولا الشكل ولا المظهر، ولم تكن لغتهم العربية تحمل أية لكنة أو لهجة مختلفة، وكانوا أولاد بلد حقا. لكن يبدو أنه لم يكن يوجد اختلاط اجتماعي كبير بينهم وبين المسلمين والأقباط خارج نطاق العمل، وعاشوا في حارة اليهود التي لم تكن بأي حال جيتو مثلما حدث في أوروبا الشرقية، لكنهم كانوا في الكثير من الأحيان يرسلون أولادهم إلى المدارس اليهودية الممولة من أغنياء اليهود.
وعن علاقة النخبة المثقفة باليهود خلص الدكتور أبو الغار إلى أن اليهود كان لهم تواجد بسيط في المجتمع الثقافي، وأن الشعب والحكومة والمثقفين المصريين لم يظهروا أي عداء لهم حتى قيام دولة إسرائيل، أو قبل قيامها ببضع سنوات على أقصي تقدير وحيث أن اليهود المصريين كانوا مجموعات مختلفة الثقافة واللغة والأصل والعلاقة بمصر تاريخيا، وكانت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية متفاوتة إلى حد كبير، فإن المجموعة الوحيدة التي كانت تجيد اللغة العربية وتحمل نفس الموروث الثقافي للمصريين هم فقراء اليهود والشريحة السفلى من الطبقة الوسطى، أما باقي اليهود فلم يكن عندهم ارتباط باللغة أو الثقافة، وبالتالي كانت علاقتهم بالسياسة تتمثل في الحفاظ على مصالحهم.
ولدت ليليان زكي مراد مرضخاي، أو ليلي مراد يوم 17 فبراير عام 1918 من أسرة مصرية يهودية في حي السكاكيني أحد أحياء القاهرة الصغيرة، وسمي نسبة لقصر السكاكيني الذي يُعد تحفة معمارية يضم في طرازه من مختلف المدارس، الإسلامية والفرعونية والصينية والنهضة الأوروبية .
انشأ القصر حبيب جبرائيل أنطون المولود في مصر عام 1840، ولقب بـ"السكاكيني باشا" نسبة إلى والده الذي كان يعمل في صناعة الأسلحة البيضاء، وكان قد جاء إلى مصر من دمشق عام 1830 وكان يعمل في المقاولات ثم انتقل إلى حفر قناة السويس
كانت المنطقة قبل بناء القصر بركة مياه على الجانب الشرقي للخليج المصري، تعرف ببركة «قراجا التركماني» أو «بركة قراجا» وكان يجاورها حي الحسينية الحالي، وقد عرفت بهذا الاسم نسبة للأمير زين الدين قراجا التركماني أحد أمراء مصر، الذي أنعم عليه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون بها سنة 717هـ، قبل أن تؤول ملكيتها وما حولها إلى السكاكيني باشا ، بحكم مرسى المزاد الصادر من محكمة مصر المختلطة في العاشر من يونيو في عام 1880، وما إن استقرت هذه البركة وما جاورها في حوزة السكاكيني باشا، حتى شرع في ردمها وبناء قصره الفخيم الذي يقع في منتصف الحي الموجود حاليا والذي يعرف بميدان السكاكيني
بناء القصر كان له أثر بالغ في توسع عمران المنطقة شمالا وشرقا، طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين، فكان حي السكاكيني في بدايات القرن الماضي يضم اليهودي والمسيحي إلى جانب المسلم، وكان يوجد بالحي أكثر من مسجد، أشهرها مسجد الظاهر بيبرس كما كانت توجد به كنيسة وثلاثة معابد يهودية - تهدم واحد، وما زال اثنان قائمان أحدهما في شارع ابن خلدون والثاني في شارع قنطرة غمرة
وكان الحي من الأحياء الراقية الذي يقطنه المشاهير أمثال عميد الادب العربي الدكتور طه حسين وزوجته سوزان،والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ووزير الدفاع الاسرائيلي موشيه دايان والموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب الذي قطن لفترة بشارع سواريس والفنانة ماجدة الصباحي وسندريلا الشاشة الراحلة سعاد حسني وعبد الفتاح القصري وداود حسني وزكي مراد وابنته ليلى مراد
كان زكي مراد فنانًا كبيرًا، وبدأ حياته كتاجر للأقمشة في الإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بأحد الورش الموسيقية، وكان" زكي "من تلاميذ الفنان عبدالحي حلمي الذي نقل تراث الموسيقى من القرن الـ 19 حتى القرن الـ20، كما تعلم من سيد درويش . والدة ليلي كانت جميلة سالومون يهودية من اصل بولندي.
بدأت ليلى مراد الدراسة في مدرسة بمنطقة السكاكيني، ثم عقب تدهورالأحوال المادية للعائلة إضطرت فيها للدراسة بالقسم المجاني برهبانية نوتردام ديزابوتر بالزيتون ، وتعرضت اسرتها للطرد من المنزل بعد نفاذ أموالهم وتخرجت بعد ذلك من هذه المدرسة
سافر زكي مراد وانقطعت أخباره لفترة كبيرة، وهو ما أدى إلى مرور الأسرة بضائقة مالية ضخمة، إلا أنه في عام 1932 عاد مرة أخرى إلى مصر
وقال الكاتب محب جميل في حوار اذاعي أجراه معه الكاتب ابراهيم عيسي : أن ليلى كانت محظوظة بتعلم التراتيل الكنسية في مدرسة الراهبات، وشدد على أن زكي مراد عند عودته من الخارج جعل مشروعه هو الاستثمار في أولاده ليلى وموريس الذي أصبح الموسيقار منير مراد
وأضاف : أول حفلة أحيتها الفنانة الراحلة على المسرح كانت عام 1932، حيث أرسل والدها دعوات إلى أصدقائه الصحفيين للحديث عنها وكتابة قصائد مدح.
وتابع "جميل ": نتيجة الحفلة التي أحيتها ليلى هي الحصول على مجموعة عقود في الصالات الفنية، منها كازينو حدائق القبة الصيفي التي تعاقد معها للغناء مرتين أسبوعيًا، ومن هنا بدأت تكثف من نشاطها وبدأت في التعاون مع التخوت والفرق الموسيقية الكبيرة .
وواصل : الملحن داوود حسني كرس نفسه لتعليمها المقامات والنطق السليم، حيث كان يعتبر نفسه شيخ الملحنين في تلك الفترة ، مشددًا على أن عام 1932 يعتبر عامًا مهمًا في تاريخ مصر الفني حيث عقد مؤتمر الموسيقى العربية الأول بجانب عرض أول فيلم غنائي في السينما، وهو أنشودة الفؤاد للفنانة نادرة أمين والتي لقبت بأميرة الطرب، من بطولة: زكريا أحمد وجورج أبيض.
وكشف "جميل" انه عقب انتشارها بدأت ليلى تتعرف على شرائح أكتر من الجمهور خاصة مع افتتاح الإذاعة المصرية، إذ استطاع والدها أن يقنع مدحت عاصم مدير الإذاعة أن يستمع لليلى، وأعجب بصوتها وقرر ضمها للإذاعة في بدايتها عام 1934، إلا أنها لم تكن من مطربات الصف الأول.
وفي دراسة أصدرها الكاتب ابراهيم خليل ابراهيم ونشرت بتاريخ 20 فبراير عام 2017 بعنوان ليلى مراد قيثارة الغناء العربي يقول فيها : تعد ليلي مراد واحدة من أبرز نجمات السينما المصرية الكلاسيكية في فترة الأربعينيات وعُرفت بقدراتها الصوتية المميزة حتى استحقت عن جدارة أن تكون قيثارة الغناء العربي.
بدأت ليلى مشوارها الفني في سن أربعة عشر عامًا حيث تعلمت على يد والدها زكي مراد والملحن داود حسني وبدأت بالغناء في الحفلات الخاصة والعامة كما تقدمت للإذاعة المصرية التي نجحت بها مطربة عام 1934م لتسجل بعد ذلك اسطوانات بصوتها وكانت أولى الحفلات الغنائية التي قدمتها في الإذاعة موشح يا غزالاً زان عينه الكحل.
ويضيف: كان لقاء ليلى مراد بالموسيقار محمد عبد الوهاب في حفل غنائي أقامه لها والدها على مسرح القاهرة عام 1932 بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمشوارها الفني حيث أشاد بها محمد عبد الوهاب واتفق مع والدها على أن تكون مشروعه الفني ووقع معها عقداً لتلعب دور البطولة عام 1937 في فيلم يحيا الحب ثم عقداً بعشر اسطوانات ليكون بذلك أول من فتح لها باب الشهرة والمجد كما جذبت أنظار الفنان يوسف وهبي فطلب منها المشاركة في فيلم ليلة ممطرة لتصبح بعد ذلك من أشهر نجمات السينما المصرية حيث بلغ رصيدها الفني حوالى 27 فيلمًا ومن أبرزها قلبي دليلي وليلى ليلى بنت الفقراء وليلى بنت الأكابر وحبيب الروح وعنبر وسيدة القطار والماضي المجهول وغزل البنات وشاطئ الغرام.
ويواصل : ارتبط اسم ليلى مراد باسم أنور وجدي بعد أول فيلم لها معه ومن إخراجه وهو فيلم ليلى بنت الفقراء وكانت واحدة من اثنين في تاريخ السينما المصرية أنتجت لهما أفلام بأسمائهما إضافةً إلى الفنان إسماعيل ياسين.
ويشير الكاتب الي صدمتين كبيرتين فى حياة ليلى مراد الأولى كانت وفاة والدتها لأنها توفيت وهى صغيرة ثم وفاة أخوها الأصغر فقد كان كل حياتها وكان يدير لها أعمالها ومات صغيرا وبشكل مفاجئ أحدث صدمة فى حياتها وحتى بعد ذلك لأنه كان قد كتب رواية لتقوم بتمثيلها ومات يوم أن أنهاها فرفضت ليلى مراد تمثيلها وابتعدت عن السينما لمدة عامين لأنها لم تستطع السيطرة على أحزانها بموته لأنه كان أقرب الناس لها.