شبه الفلاسفة بالأنبياء ودعا لدين جديد.. من هو ”سلامة موسى” الكاتب الأجرأ والمثير للجدل في عصره؟
آية عادل محطة مصرتحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتب الأجرأ و المثير للجدل في عصره "سلامة موسى"، فهو من أبرز رواد الفكر الحديث الذي سطر بكتاباته تاريخًا يخلد ذكراه إلى الأبد، عاش من أجل تحقيق رسالته في نشر الوعي والثقافة و التنوير من خلال أفكاره و آراءه كتاباته التي تميل للعقلانية والتمثل بالغرب ، التي سيطرت على عقول الكثيرين من قرائه، في حين أنها تسببت في اضطهاده من قبل فئات معينة من القادة و الأدباء.
اشتهر "سلامة موسى" باهتماماته الواسعة بالثقافة، واقتناعه الراسخ بالفكر كضامن للتقدم والرخاء، فضلاً عن إيمانه بالاشتراكية كسبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية، و بحثه الدائم عن أصول الشخصية المصرية في جذورها الفرعونية، بالإضافة إلى مطالبته بديمقراطية ليبرالية وعلمنة وتحرير المراة، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك مؤلفاته و كتاباته في شتى الاتجاهات، التي خلفها كإرثًا له و لأفكاره العلمانية الجريئة.
من هو "سلامة موسى"
وفي مثل هذا اليوم و إحياءًا لذكرى ميلاد الكاتب الأجرأ في عصره، نستعرض أبرز المعلومات التي لم يعرفها الكثير عن "سلامة موسى" ومشوار حياته:-
نشأة "سلامة موسى"
ولد "سلامة موسى" في 4 من فبراير عام 1887، في قرية بهنباي وهي تبعُدْ 7 كيلو متراتْ عن الزقازيق.
ولد "سلامة موسى" لأبوين قبطيين، فكان أبوه يعمل موظفًا بالحكومة، ولكنه توفى بعد عامين من مولده.
التحق "سلامة موسى" بمدرسة قبطية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالزقازيق حتى حصوله على الشهادة الابتدائية.
انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث التحق بالمدرسة التوفيقية ثم المدرسة الخديوية حتى حصل على شهادة البكالوريا (الثانوية) سنة 1903.
بداية تشبث "سلامة موسى" بأفكار الغرب
قرر "موسى" السفر إلى أوروبا بسبب مشاكل عائلية عام 1906، وكان انذاك في التاسعة عشرة من عمره، و هو ما أثر في تكوين وعيه وفكره. سافر "موسى" إلى فرنسا حيث قضى فيها 3 سنوات من حياته تعرّف من خلالها على الفكر ومعتقدات الفلاسفة الغربيين من خلال قراءة العديد من مؤلفاتهم أمثال "فولتير" و "كارل ماركس" و إشتراكيين آخرين، إذ تأثر بأفكارهم ومؤلفاتهم، كما أنه اطلع هناك على ما توصّلت اليه علوم المصريّات.
بعد أن قضى 3 سنوات في باريس انتقل إلى إنجلترا لدراسة الحقوق وعاش 4 سنوات أخرى، لكنه أهمل دراسته وانصرف إلى القراءة.
انضم إلى جمعية العقليين، والجمعية الفابية والتقى فيها بالمفكر والمؤلف المسرحي الإيرلندي جورج برنارد شو وتأثر بـتشارلز داروين وخصوصًا بنظريته حول النشوء والارتقاء.
كيف أثار "سلامة موسى" الجدل بأفكاره بعد عودته إلى مصر
أصدر كتابه "مقدمة السوبر مان" سنة 1910 بعد عودته إلى مصر من باريس، والذي تضمن بدايات لأفكاره التي تطورت بعد ذلك والتي ركزت على ضرورة الانتماء الكامل للغرب وقطع أي صلة تربط مصر بالشرق، كما تضمن نقدًا للفكر الديني والإيمان الغيبي.
أورد فصلاً كاملاً في هذا الكتاب تحت عنوان "نشوء فكرة الله" متأثرًا بأفكار الكاتب الإنجليزي "جرانت ألين"، ينطلق من أساس مادي لفهم الكون، كما أنه تأثر ببعض الأفكار العنصرية التي كانت سائدة في بعض الأوساط الغربية في تلك الفترة؛ حيث دعا إلى أن يتزوج المصريون من غربيات لتحسين نسلهم، وردد بعض المقولات العنصرية عن الزنوج والتي تعتبرهم من أكلة لحوم البشر.
أصدر أول كتاب باللغة العربية عن "الاشتراكية" في الشرق الأوسط سنة 1912 بعد عودته إلى مصر من إنجلترا.
أصدر هو وشبلي شميل صحيفة أسبوعية اسمها "المستقبل" سنة 1914 لكنها أغلقت بعد 16 عددًا.
ساهم هو والمؤرخ "محمد عبد الله عنان" في تأسيس "الحزب الاشتراكي المصري" عام 1921 ولكنه انسحب منه رافضا الخضوع لأية قيود تنظيمية، وذلك إثر خلافات كانت قد أثارتها نقده لثورة أكتوبر، فاعتزل الحياة السياسية، واكتفى بالنشاط الفكري.
يرأس "مجلة الهلال" عام 1923 لمدة 6 سنوات.
أسس "المجمع المصري للثقافة العلمية"، وأصدر مجلة أسماها "المجلة الجديدة" عام1930 ، وكان يهدف من خلالها إلى تغليب الاتجاهات العلمية على الثقافة المكتوبة بالعربية، لكن حكومة صدقي باشا أغلقت المجمع.
كون "موسى" جمعية "المصري للمصري" وتبنت هذه الجمعية مقاطعة البضائع الإنجليزية، مستلهمة في ذلك تجربة الزعيم الهندي"غاندي".
أجرأ تصريحات "سلامة موسى" و دعوته لدين جديد
تأثر فكر "سلامة موسى" بمفكرين غربيين كما تأثر بعض المثقفين العرب الاخرين في عصر النهضة.
آمن بأن تحقيق نهضة في مجتمعه يستوجب التمثل بالغرب فقال "فلنولِّ وجهنا شطر أوروبا.. ونجعل فلسفتنا وفق فلسفته"، فالنهضة في نظره لن تتحقق إلا بالاتجاه الكامل لأوروبا، و باتخاذ العقلانية منهجًا.
بدأ "موسى" رفض العديد من المقولات الدينية التي رأى فيها فكرا غيبيا ورأى أن الخلاص من الاستعمار والطبقية لا يتأتى إلا من خلال التخلص من العبودية للخالق قائلًا: "ليس للإنسان في هذا الكون ما يعتمد عليه سوى عقله، وأن يأخذ الإنسان مصيره بيده ويتسلط على القدر بدلا من أن يخضع له".
اعتبر الدين خاضعًا للتطور، ومن ثم فمصدر الدين بشري وليس إلهي وهو لذلك نفعي الغاية، وأن صناعة الإنسان لظاهرة الدين منذ القبائل البدائية تطورت مع تعطش الإنسان لفكرة الدين.
شبه "سلامة موسى" الفلاسفة والأدباء بالأنبياء، لافتًا إلى أنهم يؤدون نفس وظيفة النبي؛ فهم يطورون الفضائل في المجتمع، بل إنهم يوجدون قيمًا بديلة للقيم الدينية تكون غايتها المجتمع وترقية البشر إلى عصر جديد غير العصور التي نشأت فيها الأديان لذا فهم بمثابة أنبياء هذا العصر.
رفض مقولة "نيتشة" بموت الإله كما رفض أفكاره التي تمجّد القوة.
بشر "سلامة موسى" بدين جديد يرفض الغيبيات، ويقوم على التوحيد الطبيعي بين المادة والقوة، وبين الله والكون، وبين العقل والجسم في وحدة مادية.
ارتكزت أفكاره على إحلال العلم محل الدين، فليس هناك مقدس في الدين لأنه صنعة البشر، فكان يقول دائمًا: "ليس للحياة غاية إلا الحياة، وكل ما عدا الحياة إنما هي وسائل للحياة".
مطالبة "سلامة موسى" بتحقيق الإشتراكية
تأثر "موسى" بالفكر الاشتراكي خاصة "الجمعية الفابية البريطانية"، التي كانت تدعو إلى تحقيق الاشتراكية بالتدرج دون عنف أو ثورة، وتحولت فيما بعد إلى حزب العمال.
تأثر في فكر "كارل ماركس" حتى قال فيه: "وأحب أن أعترف أنه ليس في العالم من تأثرت به وتربيت عليه مثل كارل ماركس، وكنت أتفادى اسمه خشية الاتهام بالشيوعية"، حيث اكتشف حينها أن فكره ضروري لفهم وتحليل التاريخ.
تأثر بأفكار "شبلي شميل" وهو من رواد الاشتراكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
رفض مقولات الاشتراكية العلمية ورأى بواجب تحقيق التقدم تدريجيًا وأراد إقامة ديمقراطية نيابية ووجه الانتقادات إلى البلشفية.
"سلامى موسى" أول من دعا بالكتابة العامية
انتمى "سلامة موسى" لمجموعة من المثقفين المصريين، منهم أحمد لطفي السيد، فهم أول من نادوا بتبسيط اللغة العربية وقواعد نحوها والاعتراف بالعامية المصرية والمطالب بالكتابة بها، وكانت حجتهم أن اللغة العربية لم تتغير لأجيال، وأن معظم المصريين أميون، مما دعا موسى وآخرين للمطالبة بالكتابة بالعامية.
تتلمذ على يديه الأديب "نجيب محفوظ" الذي يؤثر عنه قوله له "عندك موهبة كبيرة، ولكن مقالاتك سيئة" الأمر الذي دفع نجيب محفوظ إلى العناية في انتقاء مواضيعه.
دعا إلى "الفرعونية" كأساس لانتماء المصريين، ودعا إلى اللغة العامية بدلاً من اللغة العربية الفصحى وذلك لإنهاء الازدواج في اللغة عند المصريين.
دعى "سلامة موسى" إلى نبذ اللغة العربية الفصحى وتوحيد لغة الكلام ولغة الكتابة، ودعا لكتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني لأن ذلك بحسب رأيه "وثبة نحو المستقبل".
طالب بأن تتسع اللغة العربية للعلوم والفنون التي لم يعرفها العرب، متأثرًا بأفكار بعض المستشرقين أمثال "وليم ويلكوكس".
اتخذ "سلامة موسى" موقفا سلبيا من الأدب والتراث العربي، فقد نقد الأدب المصري في تقليده الأدب العربي، وطالب أدباء مصر بالتعلم من أدباء أوروبا التقدميين، مع الإقلال من الصنعة في الأدب، وتضمين الأدب الموضوعات الاجتماعية.
رأى أن "اللغة العربية" لا تخدم الأدب المصري ولا تنهض به، كما أنها تبخر الوطنية المصرية وتجعلها تذوب في وعاء القومية العربية؛ لأن من يتعمق في اللغة العربية الفصحى لا بد أن يشرب روح العرب وأبطالهم بدلاً من أن يشرب الروح المصرية وأبطالها.
ترك "سلامة موسى" مؤلفات كثيرة في شتى الاتجاهات الكتابية، وساعده على ذلك أنه ولج مجال الكتابة وهو في العشرين من عمره.
إجادته للغات الأجنبية خاصة الإنجليزية والفرنسية أتاحت له الاطلاع على معارف متنوعة وثقافات مختلفة.
أشهر مؤلفات الكاتب "سلامة موسى"
أصدر حوالي 47 كتابًا منها: "الاشتراكية" و"مقدمة السوبر مان"، و"حرية العقل في مصر"، و"النهضة الأوربية"، و"الدنيا بعد ثلاثين عاما"، و"الحرية وأبطالها في التاريخ"، و"أحلام الفلاسفة"، و"المرأة ليست لعبة الرجل"، و"هؤلاء علموني".
دوّن سيرته الذاتية في كتابه "تربية سلامة موسى"، كما أصدر عددًا من المجلات، وكتب الكثير من المقالات.
استعمل كلمة "ثقافة" ترجمة لكلمة "Culture" لأول مرة في اللغة العربية الحديثة.