من يربح حرب اللقاحات؟
خالد أبو بكر محطة مصر
من الآثار الجانبية لأزمة وباء كوفيد- 19، أنه ساهم في ظهور الصراع على قمة هرم الهيمنة في النظام الدولي الراهن، الذي بدأ يتداعي بعد ولادته في أعقاب الحرب العالمية الثانية قبل نحو 75 سنة؛ فالولايات المتحدة التي تهيمن على هذا النظام - وتحت قيادة دونالد ترامب - لأول مرة في أزمة دولية كبيرة تبدو وكأنها غير صالحة لقيادة العالم، أو على الأقل لم يعد بمقدورها تحمل كلفة هذه القيادة، بعد أن رفع الرئيس الجمهوري السابق شعار "أمريكا أولا"، فقيادة العالم تتطلب التقدم لحشد الجهود لمواجهة خطر يهدد البشرية برمتها، كما أن القيادة تتطلب حشد الجهود أيضا لمساعدة الدول الفقيرة والمجتمعات الهشة على مواجهة هذا الخطر الداهم.
أمام هذا التراجع الأمريكي، وذلك الانكشاف الكبير في قدرتها على حماية مواطنيها من الوباء، أو الحد من آثاره عل أقل تقدير، ففقدت نحو 300 ألف شخص ضحية لهذا الفيروس اللعين، برزت الصين كقوة كبرى قادرة على تقديم يد العون للجميع، لدرجة أن مجلة "فورن أفيرز" الأمريكية الشهيرة اعتبرت في أبريل الماضي أن أزمة "كورونا" هى بمثابة "أزمة سويس جديدة"، في إشارة إلى فشل بريطانيا وتراجعها عن قيادة العالم لمصلحة الولايات المتحدة، عندما هزمت بريطانيا سياسيا فيما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، أي أن الصين في أزمة كورونا ستشهد هى الأخرى صعودا للصين على حساب الولايات المتحدة، كما صعدت واشنطن على حساب لندن في أزمة السويس.
في الوقت الذي رفع فيه ترامب شعار "أمريكا أولا" قادت الصين بفوائض الإنتاج لديها من المستلزمات الطبية حملة ضخمة لمساعدة البلدان المنكوبة؛ فأول دعم لإيطاليا التي منيت بموجة شرسة من الفيروس في النصف الأول من العام الماضي، جاءها من الصين وليس من الاتحاد الأوروبي، نفس الأمر حدث مع صربيا التي صرخ رئيس وزرائها معتبرا أن "الاتحاد الأوربي مجرد خرافة"، بعد أن تقاعس الاتحاد عن مد يد العون لبلاده.
أدركت الولايات المتحدة هذا الخطر الذي يواجه تربعها على قمة النظام الدولي فراح ترامب يشن هجوما شرسا على منظمة الصحة العالمية وعلى الصين، واصفا فيروس كوفيد – 19 بأنه "الفيروس الصيني"، ومن ناحية أخرى سابقت الولايات المتحدة الزمن لإنتاج أول لقاح يحصن البشرية من هذا الخطر الداهم، لتبدو أمام العالم بأنها "المنقذ للبشرية"، ونجحت بالفعل في إنتاج لقاح "فايزر"، لكن الصين ردت بأربعة لقاحات أنتجتها شركات صينية، وأعلنت عن خطة ضخمة لتمويل البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية عند الحصول على لقاحات الشركات الصينية، وهو ما سيعزز الحضور الصيني في أرجاء المعمورة كافة في سياق الصراع على قيادة النظام الدولي.
حرب القاحات لا تقتصر فقط على الصراع على الولايات المتحدة والصين، بل إنها اشتعلت أيضا على نطاق إقليمي وتحديدا في القارة العجوز بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. فاعتبرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن الاتحاد الأوروبي مستعد لاستخدام "كل الوسائل الشرعية" لعرقلة تصدير لقاح "فايزر" المضاد لكورونا إلى بريطانيا وسط النقص في التوريدات. وقالت الصحيفة إنها اطلعت على رسالة مسربة لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، قال فيها إن بروكسل تدرس "إجراءات عاجلة" لضمان توريدات اللقاح لسكان الاتحاد.
وبدأت حرب اللقاح أوروبيا بعد أن قررت شركة "أسترازينيكا" البريطانية – السويدية تأخير توريدات لقاحها للاتحاد الأوروبي بسبب ما قالت إنه مشاكل في الإنتاج، وفي الوقت ذاته توفير اللقاح بالكمية الضرورية لبريطانيا. وفسرت الشركة قرارها بأن العقد مع الحكومة البريطانية تم توقيعه أولا.
وفي المقابل ينظر الاتحاد الأوروبي في إمكانية عرقلة توريد لقاح "فايزر" الأمريكي إلى بريطانيا، الذي حجزت المملكة المتحدة 40 مليون جرعة منه. وجاء في رسالة ميشيل الموجهة إلى زعماء النمسا وجمهورية التشيك والدنمارك واليونان، أن "ذلك سيتيح للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الوسائل القانونية لضمان الإنتاج الفعال للقاح والتوريد إلى سكاننا".. فمن يربح هذه الحرب التي كشفت في أجزاء منها عن الوجه الأناني وغير الأخلاقي للبشرية؟