رائحتها فول سوداني ”عفن”.. أقدم مادة على كوكب الأرض تفسر الحياة
محطة مصر
فى يوم الأحد الموافق 28 سبتمبر 1969، استعد سكان بلدة مورشيسون للذهاب للصلاة بالكنيسة، ففوجىء العديد منهم بكرة نارية منفجرة تقترب منهم من السماء، ومحدثة دخان أزرق اللون تسقط نحو الأرض، وتسبب بمجرد سقوطها في انفجار عظيم بالمنطقة، ولكنه لم يصب إلا سقف حظيرة.
النيازك مفتاح اكتشاف الفضاء
تُعد النيازك أرخص وسيلة لاستكشاف الفضاء؛ كونها تعد الوحيدة التي تهبط إلى الأرض، ولحسن الحظ وصل النيزك إلى العلماء، وهو ما زال يبعث الغازات، وتمت دراسته من جامعة "ملبورن"، كما دُرس من علماء وكالة ناسا ومعاهد أخرى، وتمت مقارنته جنبًا إلى جنب مع الصخور القمرية المدروسة حديثًا، وذلك قبل أن يتم تلويثه أو خمول الغازات به.
وجدير بالذكر أن عمر الشمس يبلغ حوالى 4.6 مليار سنة فقط، مما يوجه شكوك الباحثون إلى قدم النيزك، الذى لقبوه بنيزك "مورشيسون"، فيرجع تكونه خلال فترة من فترات تشكيل النجوم القديمة الأولية، ويتراوح عمره من 7 مليارات سنة إلى بضع مئات ملايين السنين.
حول استكشاف "مورشيسون"
حث سقوط النيزك فضول العلماء، لاستكشافه وتحليله كميائيًا، وبعد فترة من الأبحاث والتحليلات الكميايئية والفيزيائية المُعقدة،عثر الباحثون على أقدم مادة عرفها الإنسان على وجه الأرض، وهى "حبيبات غبار النجوم" المتواجدة داخل نيزك "مورشيسون"، الذي يعد أقدم مادة صلبة وُجدت على الأرض، ويبلغ عمر بعض هذه الحبيبات 7 مليارات سنة.
كما كشفت الدراسات الأولية التي أُجريت على النيزك عن وجود بعض الجزيئات المهمة كيميائيًا مثل الأحماض الأمينية، والتي تعد (اللَبِنات الأساسية للحياة)، إذ عُثر على الجلايسين والألانين والبرولين والفالين و4 أحماض أمينية أساسية أخرى في النيزك.
وكانت الأحماض الأمينية الموجودة في النيازك هى-racemic mixture، والتي تعتبر خليط من جزيئات تسمى جزيئات لإحماض أمنية مختلفة، بالإضافة إلى بعض الجزيئات العضوية المعقدة، التي تملك نفس الصيغة الجزيئية ولكن بروابط مختلفة وتسمى الجزيئات اللولبية chiral molecules، وذلك على عكس الشائع والمتعارف عليه فى النظام الشمسي المُكون من نوع واحد فقط من الأحماض الأمينية.
مراحل تكون النيازك
تتطلب النيازك وقتًا كافيًا للتشكل فيه، فهي لا تتشكل في يوم، بل يزداد حجمها بمرور الوقت خلال فترتها في الفضاء، وتتمثل مصادر تكونها في النجوم، والمستعمرات العظمى، والأجسام الهائمة الأخرى المُحيطة بكوكب الأرض.
وينتمي نيزك "مورشيسون" إلى فئة من "الكوندريتات الكربونية"، ويتكون الكوندريت من مواد صلبة أولية تكثّفت من بقايا سحب غازية، وتتكون سحب الغاز من غبار النجوم المسؤولة عن تكوين النظام الشمسي.
كما تعد الكوندريت من أكثر الصخور الفضائية نقاءً وندرةً، وذلك بسبب تدني تعرضها إلى درجات الحرارة الشديدة، من أجل ذلك تعد هذه الصخور مصدر عظيم للمعلومات حول النظام الشمسى.
ويرجع ذلك إلى أن تركيبته تشتمل على 2% كربون وهو نادر جدًا بالنسبة للنيازك، فأوضحت الدراسات أنه كلما زادت نسبة الكربون، تميل لفقدان الأدلة نتيجة التغيرات الكيميائية التى تسببها الحرارة الشديدة، بالأضافة إلى كريّات السيليكات الصغيرة التي تسمى "الغضروف"، والتى تكون فيها حبيبات هذا النيزك مرتبطة ببعضها بواسطة مادة عضوية لزجة تنبعث منها رائحة زبدة الفول السوداني الفاسدة.
بعد 50 عامًا
وجد الباحثون بعد مدة بحث استغرقت 50 عامًا، أن "مورشيسون" يحتوى على السكر المركب والبوليولات التي تشكل المكونات الأساسية للحمض النووي DNA والحمض النووي الريبي RNA، ويعتبر الحمضان من المكونات المُسببة فى بناء غشاء الخلية ، فمع وجود السكريات الحيوية الأساسية بالنيزك مثل ثنائي هيدروكسي أسيتون الذي يعد أحد إنزيمات الجسم، والجليسرين الذي يساعد في بناء غشاء الخلية، والريبوز الذي يعد أحد مكونات الحمض النووي DNA.
يمكن حينها لهذا الاكتشاف، أن يصبح أهم طفرة تحدث فى تاريخ الكميائين وعلماء الأحياء، إذ يمكن أن تكون كيمياء السكر للأجسام خارج كوكب الأرض هي الحلقة المفقودة فيما يتعلق بالمواد العضوية التي وجِدت عند بدء ازدهار الحياة.
الأرض استقبلت الحياة
مع كثرة الأبحاث وضع الباحثون تفسيرًا لشكل الأرض قبل بدأ الحياة عليها، حيث يعتقدوا أن العناصر الهامة للحياة مثل الكربون، والنيتروجين، والكبريت، والأوكسجين، والهيدروجين، سقطت على الأرض بواسطة الصخور الفضائية المتساقطة عليها قبل بضعة مليارات من السنين.
مما يعنى أن الأرض مهدت للإنسان، ولم تنشأ له متكاملة، كما شبهوا نيزك "مورشيسون" بكبسولة زمنية، تساعدنا على فهم سلوك الشمس في بدايتها، إضافًة إلى الظروف الكيميائية التي سادَت في أثناء تكوين النظام الشمسي.