صبري فواز فعلا
لا يكاد يغيب صبرى فواز عن شاشة التليفزيون فى رمضان منذ سنوات طوال وربما منذ بدايات ظهوره فى مطلع التسعينات فى دور صغير بمسلسل الوسية، وقد تصاعد ببطء عبر السنوات حجم أدواره وتزايد الكم أيضا على نفس الوتيرة سواء فى السينما أو التليفزيون، وإن كنا سنركز هنا هنا على مسيرته التليفزيونية فقط.
فلم يكن فواز يظهر فى أكثر من عمل أو اثنين، وفى أدوار صغيرة فى غالبية الأحوال إلا فى السنوات الأخيرة، لكن وصوله إلى أدوار البطولة وتصاعد تواجده على ساحة الدراما يصل إلى ذروته هذا العام، وإن كان من المتوقع أن نرى له ذرى أخرى فى أعوام قادمة.
أطل علينا صبرى فى رمضان من خلال أربع أدوار رئيسية كمشارك فى البطولة تارة، أو متصدر لها أخرى فى أربع مسلسلات تعد من أهم الأعمال الدرامية التى شاهدناها هذا العام، وهو يعد أقوى ظهور لممثل كبطل هذا الموسم فى حدود علمى، كما أن أدواره الأربعة تشكل تنوعا واختلافا كبيرا وإضافة لإبداعات الممثل غير مسبوقة.
فى مسلسل ولاد ناس هو أحد آباء التلاميذ ضحايا حادث أوتوبيس المدرسة وهو يجسد نموذجا مستشريا فى واقعنا حيث المادية هى الشغل الشاغل لتأمين مستقبل الأبناء، حتى يكتشف أن هناك أمور أهم وأجدى فتتكشف جوانب جديدة من الشخصية.
وفى خللى بالك من زيزى هو الطبيب النفسى الذى يعالج زيزى من حالة مرضية شديدة الخصوصية ومع الأحداث سوف نكتشف أنه هو نفسه يعانى من أزمة نفسية أخرى.
وفى مسلسل قصر النيل هو منصور السيوفى الذى تؤل اليه ثروة أخيه الضخمة فيتآمر الجميع على قتله، وفى موسى هو شهاب باشا الارستقراطى الرقيق المتأنق عاشق الجمال وصاحب الشخصية الغرائبية.
كلها شخصيات جديدة وطازجة ومتعددة الأبعاد والمراحل تتيح للممثل أن يقدم عرضا بديعا كاشفا عن قدرات مميزة وسيطرة متمكنة على إيقاعه الحركى والانفعالى والصوتى.
ربما يصيبنا القلق كثيرا عندما نلاحظ أن أحد الفنانين يظهر فى بطولة أكثر من عمل فى ذات الوقت بسبب خشية التكرار والنمطية والتعجل فى رسم الشخصية وعدم إعطائها القدر الوافى من الاهتمام لحساب أخرى، لكن هذه المخاوف لم تعترينا تجاه صبرى بقدر فرحتنا بأدائه وحرصه على أن يعطى كل شخصية حقها.
لا يمكن أن تجد وصفا للممثل صبرى فواز شخصا وأداء أدق من إسمه: (صبرى فواز).. ربما يرى البعض أن رحلة صبرى فواز نحو الصعود تشبه آخرين لم يتمكنوا من تحقيق الشهرة والنجومية إلا فى مرحلة منتصف العمر.
لكن الحقيقة أن صبرى يختلف عن الجميع فى أنه صعد خطوة خطوة ولم يمر بطفرة واحدة فى حياته.. يمكنك بالتأكيد أن تتذكر أدواره المهمة فى مراحل مختلفة:
فهو بليغ حمدى فى أم كلثوم وبشير السخاوى فى المصراوية وهو محمود نفيسة فى السبع وصايا وهو الضوى فى العهد وكرم يونس فى أفراح القبة وهو خميس فى رمضان كريم وأشرف الويشى فى إسود فاتح وهو فتحى إبليس فى مملكة إبليس. وغيرها من الأدوار التى خلدها وحفرت اسمه وصورته فى ذاكرة المشاهد وصعدت به خطوة خطوة، لكنك لا يمكن أن تتوقف عند دور بعينه وتعتبره نقطة التحول فى مسيرته الفنية.. إنه الصعود التدريجى الذى يؤدى للوصول الآمن غالبا.
وهو ناتج بكل تأكيد عن مقدرة عالية على الصبر والتحمل، ومن يعرف أجواء صناعة الفن فى بلادنا يدرك كم المعاناة التى يمكن أن يتكبدها صاحب موهبة حقيقية من أجل أن يحقق ذاته، لكن صبرى لا تشغله المعاناة لأنه قادر على مواجهتها بمزيد من العمل والإصرار والصبر، وهو صبر ناتج عن إيمان ويقين بالله وبموهبته وبأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا.
يمكنك أن تلحظ هذا الهدوء والاسترخاء على صفحة وجهه أو هذه الطمأنينة النابعة من صوته فى أحاديثه العادية، وهو على العكس تماما مما يبدو عليه كمشخصاتى نادر حسب متطلبات أدواره حين يتحول وجهه إلى كتلة من الغضب تكاد تشعر بلهيبها أو قناع من الزيف والاصطناع والكذب أو غابة من الحزن الأسود والكآبة أو غيرها من الوجوه العديدة التى يؤديها ببراعة ومهارة غير مسبوقة.
لا يتحدث صبرى كثيرا عن طريقة إعداده للشخصيات أو دراسته لها، لكنه بالتأكيد ومن خلال أدائه على الشاشة يمكنك أن تدرك على الأقل الجهد الذى يبذله فى رسم ملامحها وبلورتها فى خطواتها وايقاعها الحركى ونظرة العين واعتدال القامة وأسلوب الكلام وايقاعه، وهذا لأنه يصعب جدا أن تجد صبرى يكرر الشخصية مهما تشابهت مع أخرى، فيكفيك أن تشاهد لقطة واحدة له لتدرك من أى عمل كانت.
لا يضاهى صبر صبرى فى رسم شخصياته واتقانها إلا حرصه عليها وعلى تمكنه وتملكه منها من مشهد لمشهد وهو يصيغ صورتها النهائية كأنه يرسم لوحة تشكيلية أو جدارية متعددة الألوان والتفاصيل، وهو بالتأكيد يحقق هذه الصورة بجهد ودأب وحوار طويل ومتمهل مع المخرج صانع العمل وربما المؤلف أيضا، وبصبر شديد بكل تأكيد أيضا مع مختلف العناصر من ملابس واكسسوارات وماكياج وغيرها لتساعد الصانع الماهر فى تجويد صنعته.
وهى مسألة ليست سهلة وتحتاج جهد مضاعف من ممثل لم يصل إلى مستوى النجومية فى غالبية مشواره السابق فلم يكن بإمكانه أن يأمر أو حتى يطلب فيطاع لكنه يصبر ويعافر ويناور ويحاور حتى يتحقق له ما يريد والله أعلم.
لكن ما تراه على الشاشة من تمكن شديد فى الأداء والتعبير هو نتاج أيضا لخبرات ابداعية متنوعة كلها تصب لصالح الممثل كشاعر ومخرج مسرحى وكاتب مقال، وعبر ثقافة رفيعة شكلها عبر السنين من خلال قراءات متنوعة تتكثف بالتأكيد فى مجالات بعينها حين يكون مقدما على عمل يرتبط بتخصص من التخصصات.
فشخصية الباشا صاحب مصانع العطور تراها نابعة من مكانها وزمانها وطبيعتها الخاصة الخالصة وكأنها مصفاة من اى شوائب تحيد بك عن فهمها بشكل صحيح أو تعوقك عن الوصول إلى عمقها ومكمن أسرارها، وشخصية الطبيب النفسى يؤديها بمنتهى الاقتدار ويحافظ بشدة على جوانبها المهنية والإنسانية والمرضية، كما أنه يستطيع أن يجعلك تتفاعل وتنظر باحترام للباشا الذى ظل يتعامل مع أمه المتوفاة على أنها حية دون أن يصيبك بأى اشمئزاز أو أن يجعلك تضعه موضع السخرية فهو يدرك جيدا قيمة الشخصية وطبيعتها الرومانسية.
أخير أمكن لصبرى أن يفوز بقدر مما يستحق وليصنع من إسمه معنى ونموذج ومثال لأجيال لا تملك المال ولا الواسطة لكن عليهم أن يدركوا أن بضاعة صبرى بالتأكيد لم تكن الصبر فقط، فهو صاحب ثقافة رفيعة وإرادة قوية وشخصية متوازنة وقبل كل هذا موهبة عالية تجعلنا ننتظر منه الكثير والكثير.
