في الحلقة الـ16 .. الإمام الطيب يؤكد أن الخلط بين الثابت والمتغير فى الدين عائق للتجديد
محطة مصرعرضت اليوم الحلقة الـ16 من برنامج "الإمام الطيب" الذي يقدمه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في برنامجه الرمضاني ضمن موسمه الخامس، والذي يتناول وسطية الإسلام وتصحيح شريعته ومنهجيته، فضلا عن الرد على الشبهات حول السنة النبوية والتراث وذلك من خلال عرضه على شاشة قناة "الحياة" بالإضافة إلى القناة "الأولى" في تمام السادسة إلا عشر دقائق على قناة "الحياة".
وقد ذكر فضيلته أن الشريعة الإسلامية تميزت بين سائر الشرائع والأنظمة ببرنامج متكامل ومؤهل بعناية إلهية فائقة لتلبية مطالب الإنسان، حيث جاءت بنصوص ثابتة تخاطب الحاجات المستقرة في حياة الناس، وبنصوص أخرى عامة وكلية تخاطب الإنسانية في مجال حاجاتها المتطورة لإرشادها وتوجيهها لاتباع صراط الله المستقيم، وتحذرها من السبل المضلة.
وأوضح أن الهدف من ذلك جاء، من أجل منع تحول التطور والتقدم إلى عبث وضياع مصداقا لقوله تعالى "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون".
وأضاف الدكتور "الطيب"، أن السؤال الذي يظل يفرض نفسه الآن يدور حول ما إذا كانت الشريعة مرنة ومتطورة وذات قدرة على مواكبة المتغيرات، فلماذا هذه "الأزمة المركبة" التي باعدت بين واقع المسلمين وثقافتهم الشرعية، وحملتهم على أن يفكروا بثقافة ويعملوا بثقافة مغايرة، وأجاب فضيلته عن ذلك أن الإجابة تكمن في كلمة واحدة هى "غياب التجديد"، والذي يعني في أبسط معانيه مراجعة المستجدات العملية على ضوء القواعد الكلية، والمبادئ العامة التي تحفل بها الشريعة في مجال المتغيرات، وليس على ضوء أمثلة أو جزئيات كانت في عصر من العصور مستجدات تخطاها التطور.
وتابع معقبا أن المراجعة على هذه الجزئيات، أشبه بمراجعة ظاهرة حية على ضوء ظاهرة ميتة، وبذلك فأن النتيجة مهما كانت المراجعة عميقة مستوفاة، لا بد أن تنتهي إلى إقصاء القواعد الشرعية الكلية، والبحث عن المطلوب في فراغ مظلم.
كما أشار فضيلته إلى أن هناك عوامل شكلت ما يشبه "العوائق" على طريق التجديد ومنها "عدم التفرقة" بين ما هو ثابت في الدين وما هو متغير، على اعتبار أن المتغيرات تتسع لتطبيقات عدة وصيغ مختلفة، كلها مشروع ما دام يحقق مصلحة معتبرة في موازين الإسلام ولا يصدم مقصدا من مقاصده، ولا يشترط أن تكون صيغة واحدة من صيغ هذه المتغيرات هي الصيغة المشروعة دون غيرها، فما دام الإطار شرعيا، فليأت المضمون في آية صيغة يتسع لها هذا الإطار.
مؤكدا أن المتأمل في بعض الآراء الرائجة والمناهضة للتجديد الآن، يلاحظ فيها خلطا بين هذين الأمرين، لتظل صيغة واحدة من الصيغ الفقهية في العصور الخوالي، هي من اكتسبت شرعية الثبوت وشرعية استبعاد الصيغ الأخرى التي تحقق ذات المقصد، ولا يعني ذلك إلا أن تلك الصيغة استحسنها نظام اجتماعي معين، ويراد استدعاؤها اليوم، لا لتحقيق منفعة عامة للمسلمين، وإنما لتحقيق مكاسب خاصة فطرية أو فردية.
وضرب "الطيب" العديد من الأمثلة، أبرزها الأمور التي يشتد فيها الخلاف الآن إلى درجة التحزب والانقسام، مثل الفتوى بحرمة حلق اللحية، أو فرضية النقاب ووجوبه، أو حرمة القيام للقادم، أو تعدد الزوجات من السنة، أو عمل المرأة حرام، أو أن الطلاق بدون دواع ضرورية لا حرج فيه، وأمور عدة روعي فيها البيئة والعصر ولم يراع فيها المقصد الشرعي العام.
واختتم حلقته بالتأكيد على أن آفة الخلط بين ما هو ثابت ومتغير في الدين قد ترتب عليها آفة أخرى هي الخلط بين ما يعد تشريعا عاما وما لا يعد كذلك، وقد فصل الفقهاء في هذه المسألة بما لا يقبل المزيد، وبينوا أنها كانت من أسباب الاختلاف المشروع بين الأمة، وكانت مصدر رحمة ويسر في الدين، إذ كانت المسألة الواحدة يراها مجتهد شرعا عاما لا يتغير، بينما يراها مجتهد آخر حكما مصلحيا يتغير بتغير المصلحة، موضحا أن من أهم ما قيل في ذلك، قول الشيخ محمود شلتلوت "ليس كلُّ ما رُوِيَ عن الرَّسولِ صلى الله عليه و سلم وإرشاداتِه يُعَدُّ تشريعًا ذا حُجِّيةٍ مُلْزمَةٍ شرعًا للمسلمِينَ".