الإنسان والحلقة الأولى من اختراع اللغة
د. جودة مبروك محطة مصر
التأمل أحيانًا في مسميات بعض الأشياء والأشخاص يجعلنا نؤمن بأنها أسماءٌ سميناه نحن وأباؤها، وقد أنزل الله بها سلطانًا، استنادًا إلى قوله تعالى: {وعلَّمَ آدمَ الأسماءَ كلَّها}، سواء ألهمه إياها أو أوحى بها إليه، وهب أنك قبل أن يكون اسمُ ((عليٍّ)) مثلاً يُطلق عليك وبه تُعرَفُ، وهي فترة أنك موجودٌ لكن لم تسمَّ بعد، ثم عندما أطلقت عليك التسمية فأصبح ذلك اللفظ لصيقًا بك ، يدفعنا إلى أنه كان يمكن أن تسمى زيدًا أو عمرًا أو محمدًا .... هذا يمكننا من القول بأن الاعتياد على اللفظ ومعناه يمنحه العلاقة الذهنية التي بمجرد إطلاق اللفظ يُفْهم معناه.
هذا ينطبق على عكس المقولة ((كلٌّ له نصيب من اسمه))، فالأخ ((كريم)) ربما يكون معروفًا عند أصدقائه ببخله الشديد، والأخ ((فرج العنتيل)) قد يكون في حارته أو شارعه معروفًا بالجبن، فالاسم شيء، والمسمى شيءٌ آخر، فهو اختيار لا ينطلق من منطق الصفات أو العادات السلوكية للشخص، وإن أردنا أن نحلله فإننا نناظر فكر المجتمع وتقاليده، فكل مجتمع له أسماء درج عليها، فعلى قدر التشابه بين المجتمع العربي وأسلوب حديثه بالعربية، على قدر الاختلاف فيما بينه من طرائق اختيار أسماء الصبية، كما أن المجتمع الواحد تختلف أسره في الاعتداد بالأسماء حسب حظها من الثقافة، وتلك السمة نلحظها فارقًا بين الأجيال المتعاقبة، فكل جيل له ما يفضله من الأسماء، وقد نعجب أنه من خلال الأسماء قد نهتدي إلى نسب الشخص وبيئته.
اقرأ أيضاً
- هل تحدث آدم العربية؟
- إدارة الجوازات تواصل خدماتها للحالات المرضية والإنسانية
- محامي مصطفي قمر يطالب بإيقاف عرض برنامج خمس نجوم
- شاهد.. ”تركي أل الشيخ ” يتفقد كواليس بلاتوه تصوير رامز عقله طار ” فيديو ”
- في الاختلاف اتفاق
- وزيرةُ التخطيطِ تشارك في مؤتمرِ ”حقوقِ الإنسانِ... بناء عالم ما بعد الجائحة”
- رامز جلال يطر ح البوستر الرسمي لبرنامج المقالب الجديد
- المقالون العرب 2001 يتخطى الإسماعيلي بثلاثية في دوري الجمهورية
- تكامل أدوار البنية في نقد طه وادي
- قناة السويس شريان الحياه
- ”رامز مريض نفسي” في رمضان 2021 بأمر القضاء
- ماذا ينقص السينما المصرية من 70 سنة؟.. مديحة يسري تجيب في مقال صحفي
إن المتحدث الأول للغة درج على استخدام علامات لتمييز مكانه وزمانه، أما المكان لأن الإنسان لا تتسع له كل الأماكن في وقت واحد، بل يشغل حيزًا محدودًا للغاية، فأراد أن يميِّز هذا المكان، وأما الزمان فاختلاف الأوقات والأيام والشهور والسنين سنة كونية، ما دفع الإنسان إلى اختراع ألفاظ تعبر عن إحساسه بالتحول المكاني والزماني، كما أنه اضطر إلى تعبير آخر يستخدمه في عدِّ الموجودات والأشياء، مثل حساب عدد الأيام والساعات والأموال ، فاخترع ألفاظًا للدلالة على الأعداد، فما فعله الإنسان الأول كان اضطرارًا ليتمكن من التواصل مع الآخرين والتفاعل مع الحياة، كما ذهب إلى ذلك ابن سينا الفيلسوف.
فعلاقة الألفاظ بدلالتها علاقة اصطلاحية، تخضع للتطور والتغير حسب الزمان والمكان، وما كانت هذه العلاقة إلا رمزًا وعلامة على العلاقة الرابطة بين اللفظ ومعناه.
وقد اعتقد بعض الدارسين أن ذلك أكبر اختراع للإنسان، فإذا قُدِّرَ له أن يخترع وأن ينجز كثيرًا من الموجودات، فيضاف لذلك اختراعه للغة بكل مجالاتها الصوتية والدلالية والتركيبية والصرفية، وهذا دحض لبعض الأساطير القديمة التي تعتقد أن اللغة ليست من اختراع الإنسان وإنما هي لغة إلهية سبقت لغة البشر.
وقد عالج بعض علماء اللغة والاجتماع هذه القضية، معتمدين على الاستقراء والملاحظة والتجارب، فاعتقدوا أن نشأة اللغة يمكن افتراضها بمجموعة أشياء:
الأول: نمو اللغة عند الأطفال: فهناك تشابه كبير في اعتقادهم بين مراحل نمو اللغة عند الأطفال والإنسان الأول.
الثاني: لغة الأمم البدائية: فإن لغات الإنسان البدائي تمثل مرحلة قديمة في نمو اللغات وتطورها، فتصورها هو ذاته لغة الإنسان في العصور السحيقة.
الثالث: الدراسة التاريخية:
ويعنى به الدراسة التاريخية للغة، ومحاولة معرفة أصولها التي تندرج عنها، فتكون البداية بدراسة اللغة في العصر الحديث، ثم العودة إلى الزمن القديم، والتوصل إلى حلقات التطور اللغوي، مما يمنحنا قدرة على افتراض ما كانت عليه هذه اللغة القديمة.