حسن الصغير: الفارابي درة مضيئة من درر التراث الحضاري الإسلامي
ياسر خفاجي محطة مصرقال الدكتور حسن الصغير الأمين العام لهيئة كبار العلماء، إنّ من جوانبِ العبقريةِ في التراثِ العلميِّ والفكريِّ الإسلاميِّ أنه تراثٌ يجسدُ منظورَ الإسلامِ الصحيحِ للحوارِ الإنسانيِّ بينَ عمومِ الناسِ على اختلافِ ألسنتِهِم وألوانهِم وأحوالِهم وأعرافِهم، وعلَى اختلافِ أنماطِ تفكيرِهم وتنوُّعِ بيئاتِهم ومعارفِهم وثقافاتِهم ومنطلقاتِ حضاراتِهم، ذلكمُ الحوارُ الذي عُنوانُه السلمُ والسلامُ والأمنُ والأمانُ والتعايشُ مع الآخرِ والتفاعلُ والتكاملُ معه، والتأثيرُ فيه والتأثرُ به، في سبيلِ تحقيق معنى الاستخلاف في الأرض؛ بإعمارِها وإصلاحِها، واستثمارِ ما سخَّرهُ اللهُ تعالى للإنسانِ فيها، على نحوٍ يحققُ الخيرَ والسعادةَ والأمنَ والأمانَ والسلامَ والاستقرارَ والرفاهَةَ للبشريةِ جمعاء.
وتابع خلال كلمته بمؤتمر الأزهر حول تراث الفارابي وإسهاماته المنعقد الآن بالمشيخة: منْ هذا المنظورِ انطلقَ العلماءُ والمفكرون المسلمونَ في عصورِ الإسلامِ الأولى من مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، يطالعونَ وينقُلونَ التراثَ الحضاريَّ الإنسانيَّ للأممِ المتمدنةِ منْ حولِهم، حيثُ نشَطتْ حركةُ ترجمةٍ واسعةٍ لمعارفِ وعلومِ الشرقِ والغربِ، ثم نشَطتْ حركةُ تصنيفٍ ودراسةٍ وشرحٍ وتحليلٍ واسعٍ لما تم نقلُهُ وترجمتُه، ونَجَمَ عن هذا وذاك أعظمُ نتاجِ تلاقحٍ فكريٍّ معرفيٍّ حضاريٍّ عَرَفه التاريخُ الإنسانيُّ، تمثّلَ في إسهاماتٍ حضاريةٍ فكريةٍ وعلميةٍ، نظريةٍ وتجريبيةٍ بنّاءة، كانت منطلقًا لطفرةٍ حضاريةٍ إنسانيةٍ ثريّةٍ، استفادتْ منها البشريةُ جمعاءُ على مدارِ قرونٍ متتاليةٍ، ثم كانت مرتكزًا للطفرةِ الحضاريةِ الإنسانيةِ الحديثةِ والمعاصرةِ، في شتى المجالاتِ العلميةِ، النظريةِ والتجريبية.
اقرأ أيضاً
وأكد الصغير، أن التراثُ الفكريُّ العبقريُّ لفيلسوفِ الإسلامِ المعلمِ الثاني الحكيمِ أبي نصرٍ محمدٍ ابنِ محمدٍ الفارابيّ يأتي كعلامةً بارزةً ودُرّةً مضيئةً من دُرَرِ التراثِ الحضاريِّ الإسلاميِّ، ذلكم التراثُ الذي كان له أبلغُ التأثيرِ في جوانبَ عدةٍ من العلومِ الإنسانيةِ النظريةِ والتجريبيةِ، في اللغةِ والمنطقِ والفلسفةِ، وفي الموسيقى والطبِّ والحكمةِ والسياسةِ ونظامِ الحكمِ والتشريعِ، وغيرِها من العلوم.
وفي خصوصِ الإسهاماتِ النظريةِ للحكيمِ الفارابيِّ في الحضارةِ الإنسانيةِ، قال: كانت جهودُهُ الحثيثةُ ومحاولاتُهُ الفكريةُ الخلّاقةُ للتوفيقِ بين منتجاتِ الفلسفةِ العقليةِ اليونانيةِ الأرسطيةِ، وبين معطياتِ الأدلةِ النقليةِ الشرعيةِ الإسلاميةِ، على نحو كان له أبلغُ الأثرِ في استفادةِ الكثيرِ من معاصرِيه وتلامذتِهِ، ثم مَن تلاهم من جهابذةِ الفكرِ والنظرِ في الشرقِ والغربِ، من طرحِه الفكريِّ الفلسفيِّ العبقريِّ في فَهْم جوانبَ كثيرةٍ من معطياتِ النقلِ، وفي درءِ التعارضِ بينَه وبين العقلِ في أكثرِها، على نحو حُلّتْ به جدلياتٌ فكريةٌ عويصةٌ في مجالي العقيدةِ والشريعةِ، وهو الأمر الذي توافرت على طرفٍ منهُ بحوثٌ عديدةٌ، سيزخر بها مؤتمرُنًا هذا في أكثرَ من محورٍ من محاورِه.
وشدد على أن هذا المؤتمرَ العلميَّ الحاشدَ يمثلُ مَحطةً مضيئةً في طريقِ الجهودِ الحثيثةِ التي تبذلُها منابرُ الفكرِ الوسطيِّ في عالمِنا الإسلاميِّ؛ لتصحيحِ الصورةِ التي لا يفتؤ كثيرٌ من المسارعينَ المتحاملينَ في الغرب والشرق إلا أن يظهِروا بها التراثَ الإسلاميَّ أو يرموه بها، وهو من كل ذلك جدُّ براء.
وفي ختام كلمته وجه الشكر لمصرنا الحبيبةِ الغاليةِ، ممثلةً في قيادتِها السياسيةِ الحكيمةِ الرشيدةِ، وفي أزهرِها الشريفِ المعمورِ وفي شيخِهِ الأكبر، وإلى دولةِ كازاخستانَ الشقيقةِ مسقطِ رأسِ الحكيمِ الفارابيِّ الذي سطعتْ شمسُ فكرِهِ ومعارفِه وفلسفتِه وعطائِه العلميِّ الزاخرِ على جنباتِ الحضارةِ الإنسانيةِ، وللقائمينَ على تنظيم هذا المؤتمر والمشاركين فيه .
جدير بالذكر أن مؤتمر «إسهامات الفارابي (المعلم الثاني) في إثراء الحضارة الإنسانية» والذي إنطلق صباح اليوم الإثنين، تنظِّمه الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع سفارة دولة كازاخستان بالقاهرة، على مدار يومين عبر تقنية «فيديو كونفرانس»؛ وذلك في إطار عناية الأزهر الشريف بالرموز العلمية والفكرية للأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل وعلى امتداد رقعتها الجغرافية. وتضم اللجنة العليا للمؤتمر كلًّا من: الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، و الدكتور نظير عيَّاد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتورة سونيا الهلباوي، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر.